﴿ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ﴾ [ آل عمران : ٧٥ ] و ﴿ نُوَلِّهِ مَا تولى ﴾ [ النساء : ١١٥ ]. وقرأ مسلم بن جندب بضم الهاء موصولة بواو « فَأَلْقِهُو إِلَيْهِمْ »، وقد تقدمخ ان الضم الأصل، وقال « إليهم » - على لفظ الجمع - لأنه قال :﴿ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ ﴾ [ النمل : ٢٤ ] والمعنى : فألقه إلى الذين هذا دينهم.
قوله :﴿ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾، زعم أبو علي وغيره أن في الكلام تقديماً، وأن الأصل : فانظر ماذا يرجعون، ثم تول عنهم. ولا حاجة إلى هذا، لأن المعنى بدونه صحيح، أي : قف قريباً منهم لتنظر ماذا يكون.
قوله :« مَاذَا يَرْجِعُونَ » إن جعلنا ( انظر ) بمعنى : تأمل وتفكر كانت « ما » استفهامية، وفيها حينئذٍ وجهان :
أحدهما : أن يجعل مع « ذا » بمنزلة اسم واحد، وتكون مفعولة ب « يرجعون » تقديره : أي شيء ترجعون.
والثاني : أن يجعل « ما » مبتدأ، و « ذا » بمعنى الذي، و « يرجعون » صلتها، وعائدها محذوف تقديره : أي شيء الذي يرجعونه، وهذا الموصول هو خبر ما الاستفهامية وعلى التقديرين فالجملة الاستفهامية مُعَلِّقة ل « انظر » فمحلّها النصب على إٍقاط الخافض أي : انظر في كذا وفكر فيه وإن جعلناه بمعنى انتظر من قوله ﴿ انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ﴾ [ الحديد : ١٣ ] كانت « مَاذَا » بمعنى الذي، ( و « يَرْجعُونَ » صلتها وعائدها محذوف )، والعائد مقدّر كما تقرر وهذا الموصول مفعول به، أي : انتظر الذي يرجعون. قال أبو حيان : و « ماذا » إن كان معنى « فانظُر » معنى التأمل بالفكر كان انظر معلقاً، و « ماذا » إما أن يكون كلمة استفهام في موضع نصب، وإما أن يكون « ما » استفهاما، و « ذا » موصولة بمعنى الذي، فعلى الأول يكون « يرجعون » خبراً عن « ماذا »، وعلى الثاني يكون « ذا » هو الخبر، و « يرجعون » صلة انتهى.
وهذا غلط إما من الكاتب، وإما من غيره؛ وذلك أن قوله :« فعلى الأول » يعني به أن « ماذا » كلمة استفهام في موضع نصب يمنع قوله :« يَرْجِعُونَ » خبراً عن « ماذا »، كيف يكون خبراً عنه وهو منصوب به كما تقرر، وقد صرَّح هو بأنه منصوب يعني بما بعده ولا يعمل فيه ما قبله، وهذا نظير ما تقدم في آخر السورة قبلها في قوله :﴿ وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢٢٧ ] في كون اسم الاستفهام معمولاً لما بعده، وهو معلق لما قبله، فكما حكمت على الجملة من « يَنْقَلِبُونَ » وما اشتملت عليه من اسم الاستفهام المعمول لها بالنصب على سبيل التعليق، كذلك يحكم على « يَرْجِعُونَ » فكيف تقول : إنها خبر؟


الصفحة التالية
Icon