وقرأ ابن عباس والعقيلي :« تغلوا » - بالغين المعجمة، من الغلو، وهو مجاوزة الحد.

فصل


قال ابن عباس :« لا تتكبروا عليَّ »، وقيل : لا تتعظموا ولا ترتفعوا عليَّ أي : لا تمتنعوا من الإجابة، فإنّ ترك الإجابة من العلوّ والتكبر، « وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ » : مؤمنين طائعين، قيل : هو من الإسلام، وقيل : من الاستسلام. فإنْ قيل : النهي عن الاستعلاء والأمر بالانقياد قبل إقامة الدلالة على كونه رسولاً حقاً يدل على الاكتفاء بالتقليد.
فالجواب : معاذ الله أن يكون هناك تقليد؛ وذلك لأنّ رسول سليمان إلى بلقيس الهدهد، ورسالة الهدهد معجزة، والمعجزة تدل على وجود الصانع وصفاته، وتدل على صدق المُدَّعِي للرسالة، فلمَّا كانت تلك الرسالة دلالة تامة على التوحيد والنبوة، لا جرم لم يذكر في الكتاب دليل آخر.
قوله :﴿ ياأيها الملأ أَفْتُونِي في أَمْرِي ﴾ أشيروا عليَّ فيما عرض لي، وأجيبوني فيما أشاوركم، والفتوى هي الجواب في الحادثة، استفتت، على طريق الاستفادة من الفتي في السن، أي : أجيبوني في الأمر الفتي، وقصدت بذلك استطلاع آرائهم وتطييب قولبهم.
﴿ مَا كُنتُ قَاطِعَةً ﴾ قاضية وفاصلة، ﴿ حتى تَشْهَدُونِ ﴾ تحضرون. « قَالُوا » مجيبين لها، ﴿ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ ﴾ في القتال، ﴿ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾، في الحرب، قال مقالت : أرادوا بالقوة كثرة العدد، وأرادوا بالبأس الشديد : الشجاعة، والبأس : النجدة والبلاء في الحرب، وهذا تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك، ثم قالوا :« وَالأَمْرُ إِلَيْكِ » أيتها الملكة في التقال وتركه.
قوله :« مَذَا تَأْمُرِينَ » ماذا هو المفعول الثاني ل « تأمرين »، والأول محذوف تقديره :« تأمريننا »، والاستفهام معلق للنظر، ولا يخفى حكمه مما تقدم قبله، والمعنى : فانظري في الرأي ماذا تأمرين تجدينا لأمرك طائعين. قالت - مجيبة لهم - عن التعريض بالقتال - :


الصفحة التالية
Icon