( قال محمد بن المنكدر : إنما هو سليمان قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علماً وفهماً :﴿ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾، قال سليمان : هاتِ، قال : أنت النبي ابن النبي، وليس أحد أوجه عند الله منك، فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك، قال : صدقت، ففعل ذلك، فجيء بالعرش في الوقت. وضعف السهيلي ذلك بأنه لا يصح من سياق الكلام )، قال ابن الخطيب : وهذا القول أقرب لوجوه :
الأول : أن لفظة « الذي » موضوعة في اللغة للإشارة إلى شخص معين عند محاولة تعريفها بقضية معلومة، والشخص المعروف بأنه عنده علم من الكتاب هو سليمان - عليه السلام - فوجب انصرافه إليه أقصى ما في الباب أن يقال : كان آصف كذلك أيضاً، لكنا نقول : إن سليمان كان أعرف بالكتاب منه، لأنه هو النبي، فكان صرف اللفظ إلى سليمان أولى.
الثاني : أن غحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية، فلو حصلت لآصف دون سليمان، لاقتضى ذلك قصور حال سلميان في أعين الخلق.
الثالث : أن سليمان قال ﴿ هذا مِن فَضْلِ رَبِّي ليبلونيا أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ فظاهره يقتضي أن يكون ذلك المعجز قد أظهره الله تعالى بدعاء سليمان.
فصل
واختلفوا في الكتاب، فقيل : هو اللوح المحفوظ، والذي عنده علم الكتاب جبريل - عليه السلام - وقيل : كتاب سليمان، أو كتاب بعض الأنبياء، وفي الجملة فإنّ ذلك مدح، وإن لهذا الوصف تأثيراً في نقل ذلك العرش، ولذلك قيل : إنَّه اسم الله الأعظم، وإن عنده وقعت الإجابة من الله تعالى في أسرع الأوقات.
قوله :﴿ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه الجفن عُبِّر به عن سرعة الأمر كما تقول لصاحبك : افعل ذلك في لحظة، وهذا قول مجاهد، وقال الزمشخري : وهو تحريكك أجفانك إذا نظرت، فوضع موضع النظر.
الثاني : أنه بمعنى المطروف، أي : الشيء الذي تَنْظُره، والأول هو الظاهر، لأن الطرف قد وصف بالإرسال في قوله :
٣٩٦٣ - وَكُنْتَ إَذَا أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِداً | لِقَلْبكَ يوماً أَتْعَبَتْكَ المَناظِرُ |
رَأيتَ الَّذِي لا كلّه أَنْتَ قَادِر | عَليْه ولاَ عن بعضهِ أَنْتَ صَابِرُ |