والأكثرون : على أنّه العرش حقيقة.
قوله :« وَمَنْ يَدْعُ » شرط، وفي جوابه وجهان :
أحدهما : أنه قوله :« فَإِنَّما حِسَابُهُ » وعلى هذا ففي الجملة المنفية وهي قوله :﴿ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ وجهان :
أحدهما : أنها صفة، ل « إِلهاً » وهي صفة لازمة، أي : لا يكون الإله المَدْعو من دون الله إلاّ كذا، فليس لها مفهوم لفساد المعنى. ومثله ﴿ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ] لا يفهم أنّ ثمَّ إِلهاً آخر مَدْعُوًّا من دون الله له برهان، وأن ثمَّ طَائِراً يطيرُ بغير جناحيه.
والثاني : أنها جملة اعتراض بين الشرط وجوابه، وإلى الوجهين أشار الزمخشري بقوله وهي صفة لازمة كقوله :« يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ » جِيءَ بها للتوكيد لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان، ويجوز أن يكون اعتراضاً بين الشرط والجزاء كقولك : مَنْ أَحْسَن إلى زيدٍ لا أحد أَحقُّ بالإحسان منه فاللَّهُ مثيبه.
والثاني من الوجهين الأَولين : أن جواب الشرط قوله :﴿ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ كأنه فرَّ من مفهوم الصفة لِمَا يلزم من فساده، فوقع في شيء لا يجوز إِلاّ في ضرورة شعر، وهو حذف فاء الجزاء من الجملة الاسمية كقوله :

٣٨١٤- مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرهَا والشَّرُّ بِالشَّر عِنْدَ اللَّهِ سِيَّانِ
وقد تقدّم تخريج كون ﴿ لاَ بُرْهَانَ لَهُ ﴾ على الصفة، ولا إشكال، لأنها صفة لازمة، أو على أنها جملة اعتراض.

فصل


لمّا بيَّن أنَّه ﴿ الملك الحق لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ ﴾ أتبعهُ بأن من ادّعى إلهاً آخر فقد ادّعى باطلاً، لأنه ﴿ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ لا حجّة ولا بيّنة، لأنه لا حجّة في دعوى الشرك، وهذا يدل على صحة النظر وفساد التقليد. ثم قال :« فَإِنَّما حِسَابُهُ » أي : جزاؤه عند ربه يجازيه بعمله كما قال :﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [ الغاشية : ٢٦ ] كأنّه قال : إن عقابه بلغ إلى حيث لا يقدر أحد على حسابه إلاّ الله.
قوله :﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون ﴾ فشتّان ما بين فاتحة السورة وخاتمتها. قرأ الجمهور بكسر همزة ( إنّه ) على الاستئناف المفيد للعلة. وقرأ الحسن وقتادة « أَنَّه » بالفتح، وخرّجه الزمخشري على أن يكون خبر « حِسَابُه » قال : ومعناه حسابه عدم الفلاح، والأصل حساب أنّه لا يفلح هو، فوضع الكافرون في موضع الضمير، لأن « مَنْ يَدْعُ » في موضع الجمع، وكذلك حسابه أنّه لا يفلح في معنى حسابهم أنهم لا يفلحون. انتهى.
ويجوز أن يكون ذلك على حذف حرف العلة أي : لأنّه لا يفلح. وقرأ الحسن :« لاَ يَفْلحُ » مضارع ( فَلح ) بمعنى ( أَفْلَح ) ( فَعَل ) و ( أَفْعَل ) فيه بمعنى، والله أعلم.

فصل


المعنى لا يسعد من جحَد وكذّب، وأمر الرسول بأن يقول :﴿ رَّبِّ اغفر وارحم ﴾ ويثني عليه بأن « خَيْرُ الرَّاحِمِينَ »، وقد تقدّم بيان كون « أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ».


الصفحة التالية
Icon