﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ﴾ [ النحل : ١٧ ]. وقال أبو حيان : وتسمية هذا المقدر جملة إن أراد أنّها جملة من جهة الألفاظ فصحيح، وإن أراد الجملة المصطلح عليها في النحو، فليس بصحيح، بل هو مضمر من قبيل المفرد. وقرأ الأعمش :« أَمَنْ » بتخفيف الميم جعلها ( مَنْ ) الموصولة داخلة عليها همزة الاستفهام، وفيها وجهان :
أحدهما : أن يكون مبتدأ والخبر محذوف وتقديره ما تقدم من الأوجه، قاله أبو حيان.
والثاني : أنها بدل من « الله »، كأنه قيل : أمن خلق السموات والأرض خَيْر أمَّا يشركون، ولم يذكر الزمخشري غيره. ويكون قد فصل بين البَدَل والمُبْدَل منه بالخبر وبالمعطوف على المبدل منه، وهو نظير قولك : أَزيدٌ خَيْرٌ أَمْ عَمْرٌوا أأخوك، على أن يكون أأخوك بدلاً من : أزيد، وفي جواز مثل هذا نظر.
قوله :« فَأَنْبَتْنَا » هذا التفات من الغيبة إلى المتكلم، لتأكيد معنى اختصاص الفعل بذاته، والإيذان بأنَّ إنْبات الحدائق المختلفة الألوان والطُّعوم - مع سقيها بماءٍ واحدٍ - لا يقدر عليه إلاّ هو وحده، ولذلك رشحه بقوله :﴿ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا ﴾. فإن الإنسان ربما يقول : أنا الذي ألقي البذر في الأرض وأسقيها الماء وأسعى في تشميسها، وفاعل السبب فاعل المسبب، فإذن أنا المنبت للشجرة، فلمّا كان هذا الاحتمال قائماً، لا جرم أزال الله تعالى هذا الاحتمال، فرجع من لفظ الغيبة إلى لفظ المتكلم، والحدائق : جمع حديقةٍ وهي البستان، وقيل القطعة من الأرض ذات الماء. قال الراغب : سُمِّيَتْ بذلك تشبيهاً بحَدقةِ العين في الهيئة وحصول الماء فيه. وقال غيره : سُمِّيت بذلك لإحداق الجدارن بها.
وليس بشيء، لأنها يطلق عليها ذلك م عدم الجدران ووقف القراء على « ذَات » من « ذَاتِ بَهْجَة » بتاء مجهورة، والكسائي بها، لأنها تاء تأنيث. وقيل :« ذات »، لأنه بمعنى جماعة حدائق ذات بهجة كما تقول : النساء ذهبت، و « البهجة » : الحسن، لأن حسّ الناظر يبتهج به. وقرأ ابن أبي عبلة :« ذَوَاتِ بَهَجَةٍ » بالجمع، وفتح هاء « بَهَجَةٍ ». قوله :﴿ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ ﴾، « أَنْ تُنْبِتُوا » اسم كان و « لَكُمْ » خبر مقدم، والجملة المنفية يجوز أن تكون صفة ل « حدائق »، وأن تكون حالاً، لتخصصها بالصفة.
قوله :﴿ أإله مَّعَ الله ﴾ استفهام بمعنى الإنكار، هل معبود سواه أعانه على صنعه، بل ليس معه إله، وقرىء : أإلهاً مَعَ اللَّهِ، أي : تدعون أو تشركون، ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ : يعني كفار مكة، يَعْدِلُون : يشركون، أي : يعدلون بالله سواه، وقيل يعدلون عن هذا الحق الظاهر، ونظير هذه الآية أول سورة الأنعام.


الصفحة التالية
Icon