قوله :﴿ وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم ﴾ أي : مضمون القول، أو أطلق المصدر على المفعول، أي : المقول. ومعنى وقع القول عليهم : وجب العذاب عليهم، وقال قتادة : إذا غضب الله عليهم ﴿ أخرجنا لهم دابة من الأرض ﴾.
قوله :« تُكَلِّمُهُمْ » العامة على التشديد، وفيه وجهان :
أظهرهما : أنه من الكلام والحديث، ويؤيده قراءة أُبيّ :« تُنَبِّئُهُمْ » وقراءة يحيى بن يلام :« تحدثهم » - وهما تفسيران لها.
الثاني :« تجرحهم » ويدل عليه قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد وأبي زرعة والجحدري « تَكْلُمُهُمْ » - بفتح التاء وسكون الكاف وضم اللام - من الكَلْمِ وهو الجرح، وقد قراء « تجرحهم » وجاء في الحديث : إنها تسم الكافر.
قوله :« أنَّ النَّاسَ » قرأ الكوفيون بفتح « أن » والباقون بالكسر، فأما الفتح فعلى تقدير الباء، أي : بأن الناس، ويدل عليه التصرح بها في قراءة عبد الله « بأنَّ النَّاسَ ». ثم هذه الباء يحتمل أن تكون معدية وأن تكون سببيّة، وعلى التقديرين يجوز أن تكون « تُكَلِّمُهُمْ » بمعنييه من الحديث والجرح أي : تحدثهم بأن الناس أو بسبب أن الناس أو تجرحهم بأن الناس، أي : تسمهم بهذا اللفظ أو تسمهم بسبب انتفاء الإيمان. وأما الكسر فعلى الاستئناف، ثم هو يحتمل أن يكون من كلام الله تعالى - وهو الظاهر - وأن يكون من كلام الدابة، فيعكر عليه « بِآيَاتِنَا » ويجاب عنه إما باختصاصها صح إضافة الآيات إليها، كقولك : اتباع الملوك ودوابنا وخيلنا وهي لملكهم، وإما على حذف مضاف أي : بآيات ربنا، و « تُكَلِّمُهُمْ » إن كان من الحديث فيجوز أن يكون إما لإجراء « تُكَلِّمُهُمْ » مجرى تقول لهم، وإما على إضمار القول أي : فتقول كذا، وهذا القول تفسير لتكلمهم.
فصل
قال السدي : تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام. وقيل : تقول للواحد هذا مؤمن وهذا كافر. وقيل كلامهم ما قال ﴿ أَنَّ الناس كَانُوا بِآيَاتِنَا ﴾ تخبر الناس أن أهل مكة لم يؤمنوا بالقرآن والبعث. قال ابن عمر : وذلك حين لا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر. قال رسول الله - ﷺ - « بَادِرُوُا بالأَعْمَالِ ستّاً. طلوعَ الشمس من مغربها، والدجالَ، والدخانَ والدابةَ وخاصةَ أحدكم، وأمرَ العامة » وقال عليه السلام :« إنّ أولَ الآياتِ خروجاً طلوعُ الشمس من مغربها، وخروجُ الدابة على الناس ضحًى، فأيتهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على أثرها » وقال عليه السلام :« يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج خروجاً في أقصى المين، فيفشوا ذكرها بالبادية، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم تكمن زماناً طويلاً، ثم تخرج خرجة أخرى قريبا من مكة، فيفشوا ذكرها بالبادية، ويدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم بينا الناس يوماً في أعظم المساجد على الله حرمه، وأكرمها على الله عزَّ وجلَّ يعني المسجد الحرام، ثم لم يرعهم إلا وهي في ناحية المسجد تدنوا وتدنو »