﴿ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي ﴾ [ يوسف : ١٠٠ ]، وقول فتى موسى ﴿ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ [ الكهف : ٦٣ ]، وقوله تعالى :﴿ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الجنة ﴾ [ الأعراف : ٢٧ ]، وتقدم الكلام على ذلك.
قوله :« بِمَا أَنْعَمْتَ » يجوز في الباء أن تكون ( قسماً و ) الجواب مقدراً : لأَتوبنَّ، وتفسيره : فَلأنْ أكُونَ، قال القفال : كأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرماً، أي : بنعمتك عليَّ، وأنْ تكون متعلقة بمحذوف ومعناها السببية، أي : اعصمني بسبب ما أَنعمتَ به عليَّ، ويترتب عليه قوله :﴿ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً ﴾، و « مَا » مصدرية أو بمعنى الذي، والعائد محذوف، وقوله :« فَلَنْ » نفيٌ على حقيقته، وهذا يدل على أنه قال : لِمَ أنعمت عليَّ بهذا الإنعام فإني لا أكون معاوناً لأحد من المجرمين بل أكون معاوناً للمسلمين، وهذا يدلّ على أَنَّ ما أقدم عليه من إعانة الإسرائيلي على القبطي كان طاعة لا معصية، إذ لو كان معصية لنزل الكلام منزلة قوله :« إنك لمَّا أنعمت عليَّ بقبول توبتي من تلك المعصية.
وقال الكسائي والفراء : إنه خبر ومعناه الدعاء، وإنَّ »
لَنْ « واقعة موقع » لا «، كأنه قال : ولا تجعلني ظهيراً، قال الفراء : في حرف عبد الله ﴿ وَلاَ تَجْعَلْنِي ظَهِيراً ﴾ قال الشاعر :

٣٩٨٠ - لَنْ تَزَالُوا كَذلكُم ثُمَّ لا زلْ تَ لَهُمْ خَالِداً خُلُودَ الجِبَالِ
قال شهاب الدين : وليس في الآي والبيت دلالة على وقوع » لن « موقع » لا «، لظهور النفي فيهما من غير تقدير دعاء.

فصل


قال ابن عباس :﴿ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ﴾ بالمغفرة، ﴿ فَلَنْ أَكُوْنَ ظَهِيراً ﴾ عوناً »
لِلْمُجْرِمينَ «. أي : للكافرين وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافراً، وهو قول مقاتل، وقال قتادة : لن أعين بعدها على خطيئة.
قال ابن عباس : لم يستثن فابتلي به في اليوم الثاني :( وهذا ضعيف، لأنه في اليوم الثاني ترك الإعانة، وإنما خاف منه ذلك العدو، فقال :﴿ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً ﴾ [ القصص : ١٩ ] إلاّ أنه لم يقع منه ).


الصفحة التالية
Icon