يعني أن افتقر يتعدى ب « مِنْ »، فإمَّا أن نجعله من باب التضمين، وإمّا أَنَّ متعلقه محذوف و « أَنْزَلْتَ » قيل ماض على أصله، ويعني بالخير ما تقدم من خير الدين، وقيل : بمعنى المستقبل. قال أهل اللغة : اللام بمعنى إلى، يقال : فقير له، وفقير إليه، فإنْ قيل : كيف ساغ بنبي الله شعيب أن يرضى لابنتيه السعي بالماشية فالجواب : أنَّ الناس اختلفوا فيه : هل هو شعيب أو غيره كما تقدم، وإن سلمنا أنه شعيب لكن لا مفسدة فيه، لأن الدين لا يأباه، وأحوال أهل البادية يغر أحوال أهل الحضر سيما إذا كانت الحال حالة ضرورة.

فصل


قال ابن عباس : سأل الله تعالى فلقة خبز يقيم بها صلبه. قال الباقر : لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة، وقال سعيد بن جبير : قال ابن عباس : لقد قال ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ وهو أكرم خلقه عليه، ولقد افتقر إلي شق تمرة، وقيل : إنما قال ذلك في نفسه مع ربه، وهو اللائق بموسى عليه السلام فلما رجعتا إلى أبيهما سريعاً قبل الناس وأغنامهما حُفّل بِطَان قال لهما : ما أعجلكما : قالتا : وجدنا رجُلاً صالِحاً رحيماً فسقى لنا أغنامنا، فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لي، قوله « فَجَاءَتْهُ إحْدَاهُمَا » قرأ ابن محيصن :« فَجَاءَتْهُ حُدَاهمَا » بحذف الهمزة تخفيفاً على غير قياس، كقوله : يا با فلان، وقوله :
٣٩٨٧ - يَا بَا المُغيرة رُبَّ أمْرٍ مُعْضِلٍ... فَرَّجْتهُ بِالنُّكْرِ عَنِّي وَالدَّهَا
وَوَيْلُمِّه أي : ويلٌ لأُمِّهِ. قال :
٣٩٨٨ - وَيْلُمِّهَا حَالُه لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ... و « تَمْشِي » حال، و « اسْتِحْيَاءٍ » حال أخرى، إما من « جَاءَتْ » وإما من « تَمْشِي ».

فصل


قال عمر بن الخطاب : ليست بسلفع من النساء خرَّاجة ولاَّجة، ولكن جاءت مستترة وضعت كم درعها على وجهها استحياء. ﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ صرحت بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة، وهذا من تمام حيائها وصيانتها، وقيل : ماشية على بُعْد، مائلة عن الرجال. وقال عبد العزيز بن أبي حازم : على إجلال له، ومنهم من يقف على قوله « تَمْشِي »، ثم يبتدىء ﴿ عَلَى استحيآء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ ﴾ أي : إنها على استحياء قالت هذا القول، لأن الكريم إذا دعا غيره إلى الضيافة يستحي لا سيما المرأة. قال ابن إسحاق : اسم الكبرى صَفورا والصغرى لبنا، وقيل ليا، وقال غيره : صَفُورا وصَفِيرا. وقال الضحاك : صافُورا، قال الأكثرون : التي جاءت إلى موسى الكبرى. وقال الكلبي : هي الصغرى. قال ابن الخطيب : وفي الآية إشكالات.
أحدها : كيف ساغ لموسى عليه السلام أن يعمل بقول امرأة، ( وَأَنْ يَمْشِي مَعَهَا ) وهي أجنبية، فإذن ذلك يورث التهمة العظيمة؟ وقال ﷺ :« اتَّقُوا مَوَاضِع التُّهَم ».


الصفحة التالية
Icon