فصل
وأجمعت الأمة على حرمة إتيان البهيمة، واختلفوا في حدّه :
فقيل : حدّ الزنا.
وقيل : يقتل مطلقاً لقوله عليه السلام :« مَنْ أَتَى بَهِيمةً فَاقْتُلوهُ واقْتُلُوهَا مَعَهُ ».
وقيل : التعزير، وهو الصحيح.
وأما السحق وإتيان الميتة والاستمناء باليد فلا يشرع فيه إلا التعزير.
فصل
تقدم الكلام في حدّ الزنا في سورة النساء، وأما إثباته فلا يحصل إلا بالإقرار أو بالبينة. أما الإقرار، فقال الشافعي : يثبت بالإقرار مرة واحدة لقصة العسيف.
وقال أبو حنيفة وأحمد : لا بد من الإقرار أربع مرات لقصة ماعز، ولقوله عليه السلام :« إنَّكَ شَهدتَ على نفسِكَ أربعَ مرات » ولو كانت المرة الواحدة مثل الأربع في إيجاب الحدّ لكان هذا الكلام لغواً، ولقول أبي بكر - رضي الله عنه - لماعز بعد إقراره الثالثة : لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله - ﷺ -.
وقال بريدة الأسلمي : كنا معشر أصحاب محمد نقول : لو لم يقر ماعز ( أربع مرات ) ما رجمه رسول الله.
وأيضاً فكما لا يقبل في الشهادة على الزنا إلاّ أربع شهادات، فكذا في الإقرار. وكما أن الزنا لا ينتفي إلاّ بأربع شهادات في اللعان، فلا يثبت إلا بالإقرار أربع مرات.
وأما البينة فأجمعوا على أنه لا بُدّ من أربع شهادات لقوله تعالى :﴿ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ ﴾ [ النساء : ١٥ ].
فصل
قال بعض العلماء : لا خلاف أنه يجب على القاضي أن يمتنع عن القضاء بعلم نفسه، كما إذا ادعى رجل على آخر حقاً وأقام عليه بينة، والقاضي يعلم أنه قد أبرأه، أو ادعى أنه قتل أباه وقت كذا وقد رآه القاضي حيًّا بعد ذلك، أو ادعى نكاح امرأة وقد سمعه القاضي طلقها، لا يجوز أن يقضي به ولو أقام عليه شهوداً وهل يجوز له أن يقضي بعلم نفسه مثل إن ادعى عليه ألفاً وقد رآه القاضي أقرضه، أو سمع المدعى عليه يقرّ به؟
فقال أبو يوسف ومحمد والمزني : يجوز له أن يقضي بعلمه، لأنه لما جاز له أن يحكم بشهادة الشهود، وهي إنما تفيد الظن، فلأن يجوز ( له ) بما هو منه على علم أولى.
قال الشافعي : أقْضِي بعلمي، وهو أقوى من شاهدين، أو شاهد وامرأتين، وهو أقوى من شاهد ويمين، ( وبشاهد ويمين ) وهو أقوى من ( النكول ) وردّ اليمين « وقيل : لا يحكم بعلمه لأن انتفاء التهمة شرط في القضاء، ولم يوجد هذا في الأموال فأما العقوبات، فإن كانت العقوبة من حقوق العباد كالقصاص وحدّ القذف فهو مثل المال، إن قلنا لا يقضي فهاهنا أولى، وإلا فقولان.
والفرق بينهما أن حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة والمسامحة، ولا فرق على القولين أن يحصل العلم للقاضي في بلد ولايته ( وزمان ولايته ) أو في غيره. وقال أبو حنيفة : إن حصل له العلم في بلد ولايته ( وفي زمان ولايته ) له أن يقضي بعلمه وإلا فلا.