( الثاني : أن يراد بضم جناح ة تجلده وضبطه نفسه وتشدده عند انقلاب العصا حيَّة حتى لا يضطرب ) ولا يرهب، استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف نَشَرَ جناحية وأرخاهُما، وإلا فجناحاه منضمان إليه مستمران ومعنى قوله « مِنَ الرَّهْب » أي : من أجل الرهب إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك ( ومعنى ﴿ واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب ﴾ ) وقوله « اسْلُكْ يَدَكَ » على أحد التفسيرين واحد، وإنما خُولِفَ بين العبارتين وكرَّر المعنى لاختلاف الغرضين، وذلك أنَّ الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء، وفي الثاني إخفاء الرهب. قال البغوي : المعنى إذا هَالَك أمر يدك وما ترى من شعاعها، فأدخِلْها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى، والجناح اليد كلها وقيل : العضد. وقال عطاء عن ابن عباس : مره الله ( أن يَضُمَّ ) يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية. وقال : ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه.
وقال مجاهد : كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع، وقيل : المراد من ضم الجناح السكون، أي : سكّن روعَك واحفظ عليك جأشك، لأن من شأن الخائف أن يضطرب عليه قلبه وترتعد يداه، ومثله قوله :﴿ واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل ﴾ [ الإسراء : ٢٤ ] يريد : المرفق، وقوله :﴿ واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك ﴾ [ الشعراء : ٢١٥ ] أي : أرفق بهم وأَلِنْ جانبك لهم، وقال الفراء : أراد بالجناح العصا، معناه : واضمُمْ إليك عَصَاك.
قوله :« فَذانك » تقدم قراءة التخفيف والتثقيل في النساء، وقرأ ابن مسعود وعيسى وشبل وأبو نوفل بياء بعد نون مكسورة، وهي لغة هذيل، وقيل تميم، وروى شبل عن كثير بياء بعد نون مفتوحة، وهذا على لغة من يفتح نون التثنية، كقوله :
٣٩٩٤ - عَلَى أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ عَشِيَّةً | فَمَا هِيَ إِلاَّ لَمْحَةٌ وتغِيبُ |
وقرأ عبد الله بتشديد النون وياء بعدها، ونسبت لهذيل. قال المهدوي : بل لغتهم تخفيفها، وكأن الكسرة هنا إشباع كقراءة هشام ﴿ أَفْئِدَةً مِّنَ الناس ﴾ [ إبراهيم : ٣٧ ]. « ذَانِكَ » إشارة إلى العصا واليد، وهما مؤنثتان، وإنما ذكَّر ما أشير به إليهما لتذكير خبرهما وهو « بُرْهَانَان »، كما أنه قد يؤنث لتأنيث خبره كقراءة ﴿ إِلاَّ أَن قَالُواْ ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ] فيمن أَنَّثَ ونثب « فِتْنَتُهُمْ » وكذا قوله :
٣٩٩٥ - وَقَدْ خَابَ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ الغَدْرُ... وتقدم إيضاح هذا في الأنعام. والبرهان تقدم اشتقاقه، وهو الحجة، وقال الزمخشري هنا : فإنت قُلتَ : لم سميت الحجةُ برهاناً؟ قلت : لبياضها وإنارتها من قولهم ( للمرأة البياض ) برهرهة، بتكرير العين واللام، والدليل على زيادة النون قولهم أَبْره الرجلُ إذا جاء بالبرهان، ونظيره تسميتهم إياها سلطاناً من السَّليط وهو الزيت لإنارتها.
قوله « إلَى فِرْعَوْنَ » متعلق بمحذوف، فقدره أبو البقاء مرسلاً إلى فرعون، وغيره : اذْهَب إلى فرعون، وهذا المقدر ينبغي أن يكون حالاً من « بُرْهَانَانِ » أي : مرسلاً بهما إلى فرعون، والعامل في هذه الحال ما في اسم الإشارة.