وقال ابن عباس : إذ نادينا أمتك في أصلاب آبائهم :( يا أمة محمدٍ أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل تستغفروني )، قال : وإنما قال ذلك حين اختار موسى سبعين رجلاً لميقات ربه. وقال وهب : لما ذكر الله لموسى فضل أمة محمد قال موسى : يا رب أرني محمداً، قال : إنك لن تصل إلى ذلك، وإن شئت ناديت أمته وأسمعتك صوتهم، قال : بلى يا رب، قال الله تعالى : يا أمة محمد، فأجابوه من أصلاب آبائهم.
قوله :﴿ ولكن رَّحْمَةً ﴾ أي : أَرْسَلْنَاكَ رَحْمَةً، أو أعلمناك بذلك رحمةً، أو لكن رحمناك رحمة بإرسالك وبالوحي إليك وإطلاعك على الأخبار الغائبة عنك.
وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة :« رَحْمَةٌ » بالرفع، أي : أنت رحمة.
قوله :﴿ مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ ﴾ في موضع الصفة ل « قَوْماً »، والمعنى : لتنذر أقواماً ما أتاهم من نذير من قبلك، يعني أهل مكة، « لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ».
قوله :﴿ ولولاا أَن تُصِيبَهُم ﴾ هي الامتناعية، و ( أنْ ) وما في حيزها في موضع رفع بالابتداء، أي : ولولا أصابتهم مصيبة، وجوابها محذوف، فقدره الزجاج : ما أرسلنا إليهم رسلاً. يعني أن الحامل على إرسال الرسل إزاحة عللهم بهذا القول، فهو كقوله :﴿ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل ﴾ [ النساء : ١٦٥ ]، وقدره ابن عطية : لعاجلناهم، ولا معنى لهذا. « فَيَقُولُوا » عطف على « تصيبهم » و « لَوْلاً » الثانية تحضيض، و « فنتبع » جوابه، فلذلك نصب بإضمار « أَنْ ».
قال الزمخشري : فإن قلت كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب، لا القول لدخول حرف الامتناع عليه دونه؟ قلت : القول هو المقصود بأن يكون سبباً للإرسال، ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب للإرسال بواسطة القول، فأدخلت عليها ( لولا )، وجيء بالقول معطوفاً عليها بالفاء المعطية معنى السبب، ويؤول معناه إلى قولك : ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا، ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة وهي أنهم لو لم يعاقبوا مثلاً على كفرهم عاينوا ما الجئوا به إلى العلم اليقيني ببطلان دينهم لما يقولوا : لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولاً. بل إنما يقولون إذا نالهم العقاب، وإنما السبب في قولهم هذا هو العقال لا غير التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم، وهو كقوله :﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ].