قوله :﴿ أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ ﴾ منصوب على المصدر، و « بِمَا صَبَرُوا » ما مصدرية والباء متعلق ب « يؤتون ( أَوْ بنفس الأجر. ومعنى » مَرَّتَيْنِ « أي : بإيمانهم بمحمد قيل بعثته، وقيل : يُؤْتَوْن أَجْرَهُمْ ) مرتين لإيمانهم بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، وقيل : لإيمانهم بالأنبياء الذين كانوا قبل محمد - عليه السلام - ومرَّة بإيمانهم بمحمد - ﷺ - وقال مقاتل : لما آمنوا بمحمد - ﷺ - شتمهم المشركون، فصفحوا عنهم فلهم أجران، أجر على الصفح وأجر على الإيمان، وقوله » بِمَا صبَرُوا « أي على دينهم، قال مجاهد : نزلت في قوم من أهل الكتاب أسْلَمُوا فأوذُوا.
قوله :﴿ وَيَدْرَؤُنَ بالحسنة السيئة ﴾ أي بالطاعة المعصية المتقدمة، قال ابن عباس : يدفعون بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك، وقال مقاتل : يدفعون ما سمعوا من الأذى والشتم من المشركين بالصفح والعفو، وَممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون، في الطاعة. قوله : وإذا سمعوا اللَّغو وهو القبيح من القول أعرضوا عنه، وذلك أن المشركين كانوا يسبُّون مؤمني أهل الكتاب، ويقولون تبّاً لكم تركتم دينكم فيعرضون عنهم ولا يردّون عليهم، ﴿ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾، لنا ديننا ولكم دينكم، ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾، ليس المراد سلام التحية ولكنه سلام المتارك، ومعناه : سَلِمْتُمْ مِنَّا لا نعارِضُكُمْ بالشتم والقبح، ونظيره ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً ﴾ [ الفرقان : ٦٣ ]. ثم أكد ذلك تعالى بقوله حاكياً عنهم ﴿ لاَ نَبْتَغِي الجاهلين ﴾، أي : دين الجاهلين، أي : لا نحب دينكم الذي أنتم عليه، وقيل : لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه، قيل : نسخ ذلك بالأمر بالقتال، وهو بعيد، لأن ترك المسافهة مندوب، وإن كان القتال ( واجباً ). والله أعلم.