فصل
قال قارون :﴿ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عنديا ﴾ أي : على فضلٍ وخير علمه الله عندي فرآني أهلاً لذلك ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره، وقال سعيد بن المسيب والضحاك : كان موسى عليه السلام يعلم عليم الكيمياء ( أنزل الله عليه علمه من السماء ) فعلَّم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلم كالب بن يوقناء ثلثه وعلم قارون ثلث، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه. وكان ذلك سبب أمواله.
وقيل :﴿ على عِلْمٍ عنديا ﴾ بالتصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب ثم أجاب الله عن كلامه بقوله :﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون ﴾ الكافرة ﴿ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً ﴾ للأموال أو أكثر جماعة وعدداً. فقوله ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ ﴾ يجوز أن يكون هذا إثباتاً لعلمه بأن الله قد أهلك قبله من القرون من هو أقوى منه وأغنى، لأنه قرأه في التوراة وأخبر به موسى وسمعه من حفاظ التواريخ؛ كأنه قيل : أو لم يعلم في جملة ما عنده من العلم هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته. ويجوز أن يكون نفياً لعلمه بذلك لأنه لما قال :﴿ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عنديا ﴾ فتصلف بالعلم وتعظم به قيل مثل ذلك العلم الذي ادعاه ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ولم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي به نفسه. والمعنى أنه تعالى إذا أراد إهلاكه لم ينفعه ذلك ولا ما يزيد عليه أضعافاً.
قوله :﴿ مَنْ هُوَ أَشَدُّ ﴾ من موصولة أو نكرة موصوفة وهو في موضع المفعول ب « أهلك »، و « مِنْ قَبْلِهِ » متعلق به، و « مِنَ القُرُونِ » يجوز فيه ذلك ويجوز أن يكون حالاً من ﴿ مَنْ هُوَ أَشَدُّ ﴾.
قوله :« وَلاَ يُسْأَلُ » هذه قراءة العامة على البناء للمفعول وبالياء من تحت، ورفع الفعل، وقرأ ابو جعفر « وَلاَ تُسْأَل » بالتاء من فوق والجزم وابن سيرين وأبو العالية كذلك إلا أنه مبني للفاعل وهو المخاطب، قال ابن أبي إسحاق : لا يجوز ذلك حتى ينصب « المُجْرِمِين »، قال صاحب اللوامح : هذا هو الظاهر إلاَّ أنَّه لم يبلغني فيه شيء، فإن تركها مرفوعاً فيحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون « المُجْرِمُونَ » خبر مبتدأ محذوف أي هم المجرمون.
الثاني : أن يكون بدلاً من أصل الهاء والميم في « ذُنُبوبِهِمْ » لأنهما مرفوعاً المحل، يعني أن « ذُنُوباً » مصدر مضاف لفاعله، قال فحمل المجرمون على الأصل كما تقدم في قراءة ﴿ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةٍ ﴾ بجر بعوضة، وكان قد خرجها على أن الأصل : يضرب مثل بعوضةٍ، وهذا تعسف كثير فلا ينبغي أن يقرأ ابن سيرين وأبو العالية إلا « المُجْرِمِينَ » بالياء فقط وإنما ترك نقلها لظهوره.