فمن كان معه فليلزم مكانه، ومن كان معي فلعتزل، فاعتزلوا جميعاً ولم يبق مع قارون إلا رجلان، ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وقارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه بالله والرَّحم وهو لا يلتفت إليهم لشدة غضبه، ثم قال خذيهم فانطبقت عليهم فأوحى الله إلى موسى : ما أفظَّك استغاثوا بك مراراً فلم ترحمهم، أما وعزتي لو دعوني مرة واحدة لوجودني قريباً مجيباً، فأصحبت بنو إسرائيل يتناجون بينهم : إنما دعا موسى على قارون ليستبد بداره وكنوزه فدعا الله حتى خسف الله بداره وأمواله الأرض، ثم إن قارون يخسف به كل يوم قامة.
قال القاضي : إذا هلك بالخسف فسواء نزل عن ظاهر الأرض إلى الأرض السابعة أو دون ذلك، وإن كان لا يمتنع على وجه المبالغة في الزجر، وأما قولهم : إنه - تعالى - قال : لو استغاثوا بي لأغثتهم، فإن صح حمل على استغاثة مقرونة بالتوبة، فأما وهو ثابت على ما هو عليه مع أنه تعالى هو الذي حكم بذلك الخسف، لأن موسى ما فعله إلا عن إذن فبعيد، وقولهم إنهم يتجلجلون في الأرض فبعيد، لأنه لا بد له من نهاية، وكذا القول فيما ذكر من عدو القامات والذي عنده في أمثال هذه الحكايات أنها قليلة الفائدة لأنها من باب أخبار الآحاد فلا تفيد اليقين وليست المسألة عملية حتى يكفي فيها الظنّ ثم إنها في أكثر الأمر متعارضة مضطربة فالأولى طرحها والاكتفاء بما دل عليه نص القرآن وتفويض سائر التفاصيل إلى عالم الغيب.
قوله :« مِنْ فِئَةٍ » يجوز أن يكون اسم كان إن كانت ناقصة، و « له » الخبر أو « يَنْصُرُونَهُ » وأن تكون فاعلة إن كان تامة و « يَنْصُرُونَهُ » صفة ل « فِئَةٍ » فيحكم على موضعها بالجر لفظاً وبالرفع معنى، لأن « مِنْ » مزيدة فيها، ثم قال :﴿ وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين ﴾ أي الممتنعين مما نزل من الخسف، يقالك نصره من عدوه فانتصر أي : منعه فامتنع.