﴿ الم الله لاا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم ﴾ [ آل عمران : ١ - ٣ ]، ﴿ المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ ﴾ [ الأعراف : ١ - ٢ ]، ﴿ يس والقرآن الحكيم ﴾ [ يس : ١ - ٢ ]، ﴿ الم تَنزِيلُ الكتاب ﴾ [ السجدة : ١ - ٢ ]، ﴿ حمتَنزِيلُ ﴾ [ غافر : ١ - ٢ ] ﴿ ق والقرآن المجيد ﴾ [ ق : ١ - ٢ ]. ﴿ ص والقرآن ذِي الذكر ﴾ [ ص : ١ - ٢ ] ( إلا ثلاثَ سُوَرٍ ) ﴿ كهيعص ﴾ [ مريم : ١ ] ﴿ الم أَحَسِبَ الناس ﴾ [ العنكبوت : ١ - ٢ ] ﴿ الم غُلِبَتِ الروم ﴾ [ الروم : ١ - ٢ ].
والحكمة في افتتاح السور التي فيها الكتاب والتنزيل والكتاب بالحروف ( و ) هي أن القرآن عظيم، والإنزال له أثقل، كما قال تعالى :﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾ [ المزمل : ٥ ]، فكذلك قدم عليها تنبيه يُوجِبُ ثبات المخاطب لاستماعه.
لا يُقالُ : كل سورة قرآن، واستماعها استماع للقرآن، سواء كان فيها ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن أو لم يكن فيجب أن يكون في أول كل سورة ( منبه )، وأيضاً فقد وردت سور فيها ذكر الإنزال، والكتاب، وليس فيها حروف، كقوله تعالى :﴿ الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ﴾ [ الكهف : ١ ] ﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ﴾ [ النور : ١ ] ﴿ تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾ [ الفرقان : ١ ] ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر ﴾ [ القدر : ١ ] لأنا نقول جواباً عن الأول :( لا ريب ) في أن كل سورة من القرآن، لكن السورة التي فيها ذكر القرآن والكتاب - مع أنهما من القرآن - فيها تنبيه على كل القرآن، فإن قوله تعالى :﴿ طه مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى ﴾ [ طه : ١ - ٢ ] مع أنها بعض القرآن فيها ذكر جميع القرآن، فيصير مثاله كتاب يَردُ من مَلِكٍ على مملوكه فيه شُغْلٌ ما، وكتاب آخر يدر منه عليه فيه :« إنَّا كَتبنا إليك كتاباً فيه أمرُنا فامتثلْه » فلا شك أن هذا الكتاب الآخر أكثر ثقلاً من الأول.
وعن الثاني : أن قوله :« الحمد لله، وتبارك الذي » تسبيحات مقصودة، وتسبيح الله لا يَغْفَلُ عنه العبد، فلا يحتاج إلى منبه، بخلاف الأوامر والنواهي، وأما ذكر الكتاب فيها فلبيان وصف عظمةِ مَنْ له التسبيح، و « سورة أنزلناها » قد بينا أنها بعض من القرآن فيها ذكر إنزالها، وفي السورة التي ذكرناها ذكر جميع القرآن فهو أعظم وأثقل.
وأما قوله تعالى :« إنا أنزلناه » فهذا ليس وُرُداً على مشغول القلب بشيء غيره، بدليل أنه ذكر الكتاب فيها وهي ترجع إلى مذكور سابق أو معلوم عند النبي - ﷺ - فكان منبهاً له فلم يُنَبَّهْ.
واعلم أن التنبيه قد حصل في القرآن بغير الحروف التي لا يفهم معناها، كقوله تعالى :﴿ ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [ الحج : ١ ]، وقوله :﴿ ياا أَيُّهَا النبي اتق الله ﴾ [ الأحزاب : ١ ]، ﴿ ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ ﴾ [ التحريم : ١ ] لأنها أشياء هائلة عظيمة، فإن تقوى الله حق تقاته أمر عظيم فقدم عليها النداء الذي يكون للبعيد الغافل عنها.