وأما ما مثله به من البيت فإنه يصح أن يكون « جزر السباع » مفعولاً ثانياً لترك - بمعنى صير - بخلاف ما قدر في الآية.
وأما تقديره : تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام فلا يصح؛ إذ كان تركهم بمعنى تصييرهم كان غير مفتونين حالاً، إذ لا ينعقد من تركهم بمعنى تصييرهم ولقولهم مبتدأ وخبر لاحتياج تركهم بمعنى تصييرهم إلى مفعول ثان، لأن غير مفتونين عنده حال، لا مفعول ثان.
وأما قوله : فإن قلت : أن يقولوا إلى آخره فيحتاج إلى فضله ( فهم )، وذلك أن قوله : أن يقولوا هو علة تركهم، فليس كذلك، لأنه لو كان علة لكان به متعلِّقاً كما يتعلق بالفِعْل، ولكنه علة الخبر المحذوف الذي هو مستقر أو كائن، والخبر غير المبتدأ، ولو كان « لقولهم » علة للترك لكان من تمامه فكان يحتاج إلى خبر.
وأما قوله : كما تقول : خروجه لمخافة الشرِّ، فلِمَخَافَةِ ليس علةً للخروج، بل للخبر المحذوف الذي هو مستقر أو كائن انتهى.
قال شهاب الدين :« ويجاب الشيخ بأن الزمخشري إنما نظر إلى جانب المعنى، وكلامه عليه صحيح.
وأما قوله : ليس علة للخروج ونحو ذلك، يعني في اللفظ، فأما في المعنى فهو علة قطعاً، ولولا خوف الخروج فات المقصود »
فصل
معنى الآية : أحسب الناس أن يتركوا بغير اختبار ولا ابتلاء أن يقولوا آمنا ﴿ وهم لا يفتنون ﴾ وهم لا يُبْتَلَوْنَ في أموالهم وأنفسهم، كلا لنختبرنهم، ليتبين المخلص من المنافق، والصادق من الكاذب.
واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، قال الشعبي : نزلت في ناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب النبي - ﷺ - لا يقبل منكم إقرار باللسان حتى تهاجروا، فخرجوا عامدين إلى المدينة، فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فقتل بعضهم ونجا بعضهم، فأنزل الله هاتين الآيتين.
وقال ابن عباس : نزلت في الذين آمنوا بمكة، وكانوا يعذبون سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، وعمار بن ياسر وغيرهم.
وقال مقاتل :« نزلت في مهجع بن عبد الله، مولى عمر بن الخطاب، كان أولى قتيل من المسلمين يوم بدر فقال النبي - ﷺ - » سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مهْجَع، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة «، فجزع أبواه وامرأته، فأنزل الله فيه هذه الآية، وقيل : وهم لا يفتنون بالأوامر والنواهي، وذلك أن الله تعالى أمرهم في الابتداء بمجرد الإيمان، ثم فرض عليهم الصلاة والزكاة وسائر الشرائع فشق على بعض فأنزل الله هذه الآية.