﴿ عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ﴾ [ التوبة : ٤٣ ].
قوله :﴿ أَحْسَنَ الذي كَانُواْ ﴾، قيل : على حذف مضاف، أي : ثواب الذي فالمراد بأحسن هنا مجرد الوصف.
قيل : لئلا يلزم أن يكون جزاؤهم مسكوتاً عنه، وهذا ليس بشيء، لأنه من باب الأولى إذا جازاهم بالأحسن جازاهم بما دونه فهو من التنبيه على الأدنى بالأعلى.
قال المفسرون : يجزيهم بأحسن أعمالهم وهو الطاعة.
وقيل : يعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن، كما قال :﴿ مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [ الأنعام : ١٦٠ ] قوله :« حُسْناً » فيه أوجه :
أحدها : أنه نعت مصدر محذوف أي ( إيصَاءً ) حسناً، إما على المبالغة جعل نفس الحسن، وإما على حذف مضاف ( أي : ذا حُسنٍ ).
الثاني : أنه مفعول به، قال ابن عطية :« وفي ذلك تجوز »، والأصل ووصينا الإنسان بالحسن في فعله مع والديه، ونظير ذلك قول الشاعر :

خَيْراً بِهَا كَأَنَّمَا خَافُونَا... ومنه قول الحطيئة :
٤٠٢٥ - عَجِبْتُ مِنْ دَهْمَاءَ إذْ تَشْكُونَا وَمِنْ أَبِي دَهْمَاءَ إذْ يُوصينا
٤٠٢٦ - ( وَصَّيْتَ مِنْ بَرَّةَ قَلْباً حَرَّا بِالْكَلْبِ خَيْراً وبِالحَمَاةِ شَرَّا
وعلىهذا فيكون الأصل : وصيناه بحسن في بر والديه، ثم جر « الوالدين » بالهاء فانتصب حسناً وكذلك البيتان. والباء في الآية والبيتين في هذه الحالة للظرفية.
الثالث : أن « بوالديه » هو المفعول الثاني، فنصب « حسناً » بإضمار فعل، أي يحْسُن حسناً، فيكون مصدراً مؤكداً كذا قيل.
وفيه نظر، لأَنَّ عامل الؤكد لا يحذف.
الرابع : أنه مفعول به على التضمين أي من ألزمناه حسناً.
الخامس : أنه على إسقاط الخافض أي « بحُسْنٍ ».
وعبر صاحب التحرير عن ذلك بالقطع.
السادس : أن ( بعض ) الكوفيين قدره ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه حسناً. وفيه حذف « أن » وصلتها، وإبقاء معمولها، ولا يجوز عند البصريين.
السابع : أن التقدير : وصيناه بإيتاء والديه حسناً. وفيه حذف المصدر وإبقاء معموله ولا يجوز
الثامن : أنه منصوب انتصاب « زيداً » في قولك لمن رأيته متهيئاً للضرب « زَيْداً » أي اضرب زيداً، والتقدير هنا : أَوْلهما حسناً، أو افعل بهما حسناً. قالهما الزمخشري.
وقرأ عيسى والجحدري :« حَسَناً » وهما لغتان، كالبُخْل والبَخَل. وقد تقدم ذلك في أوائل البقرة.
وقرىء : إحساناً، من قوله تعالى :﴿ وبالوالدين إِحْسَاناً ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ].

فصل


معنى حسناً أي برّاً بهما، وعطفاً عليهما، والمعنى : ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن. نزلت هذه الآية، والتي في سورة لقمان والأحقاف في سعد بن أبي وقاص، وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري وأمه حثمْنَةُ بنت أبي سفيان بن أمية من عبد شمس، لما أسلم، وكان من السابقين الأولين وكان باراً بأمه، قالت أمه : ما هذا الدين الذي أَحْدَثْتَ؟ والله لا آكلُ ولا أشربُ حتى ترجعُ إلى ما كنت عليه أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر، ويقال : يا قاتل أمِّهِ.


الصفحة التالية
Icon