الوجه الرابع : أن يحمل النكاح على الوطء، والمعنى : أن الزاني لا يطأ حين يزني إلا زانية أو مشركة، وكذا الزانية ﴿ وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين ﴾ أي : وحرم الزنا على المؤمنين، وهذا تأويل أبي مسلم، وهو قول سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم، ورواية الوالبي عن ابن عباس.
قال الزجاج :« وهذا التأويل فاسد من وجهين :
الأول : أنه ما ورد النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزوج، ولم يرد البتة بمعنى الوطء.
الثاني : أن ذلك يخرج الكلام عن الفائدة، لأنا لو قلنا : المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية فالإشكال عائد، لأنا نرى الزاني قد يطأ العفيفة حين يتزوج بها، ولو قلنا : المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية حين يكون وطؤه زنا، فهذا كلام لا فائدة فيه ».
فإن قيل : أي فرق بين قوله :﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ وبين قوله :﴿ الزانية لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ ﴾ ؟
فالجواب أن الكلام الأول يدل على أن الزاني لا يرغب إلا في نكاح الزانية، بخلاف الزانية فقد ترغب في نكاح غير الزاني، فلا جرم بيَّن ذلك بالكلام الثاني.
فإن قيل : لم قدم الزانية على الزاني في أول السورة وهاهنا بالعكس؟
فالجواب : سبقت تلك الآية على عقوبتها لخيانتها، فالمرأة هي المادة في الزنا، وأما هاهنا فمسوقة لذكر النكاح، والرجال أصل فيه، لأنه هو الراغب الطالب.