قوله تعالى :« وَإِبْرَاهِيمَ » أي « وأرْسَلْنَا إبْرَاهِيم »، والعامة على نصبه عطفاً على « نوحاً »، أو بإضمار « اذكر »، أو عطفاً على « هاء » « أنجيناه »، والنخعي، وأبو جعفر، وأبو حنيفة :« وإبْرِاهيمُ » رفعاً على الابتداء، والخبر مقدر أي ومن المرسلين إبراهيم، وقوله :« إذْ قَالَ » بدل من « إبْرَاهِيمَ » بدل اشتمال، فإن قلنا : هو ظرف « أرْسَلْنَا » أي أرسلنا إبراهيم إذ قال لقومه، ففيه إشكال، لأن قوله لقومه « اعبدوا الله » دعوة، والإرسال يكون قبل الدعوة، فكيف يفهم من قوله : وأرْسَلْنَا إبراهيم حِينَ قال لقومه مع أنه يكون مرسلاً قبل ذلك؟
فالجواب : هذا كقول القائل :« وَقَفْتُ للأَمِير إذْ خَرَجَ مِنَ الدَّارِ »، وقد يكون الوقوف قبل الخروج لكن لما كان الوقوف يمتد إلى ذلك الوقت صح ذلك.
فصل
معنى ﴿ اعبدوا الله واتّقوه ﴾ أطيعوا الله وخافوه، وقيل :« اعبدوا الله » إشارة إلى الإتيان بالواجبات « واتّقوه » إشارة إلى الامتناع عن المحرمات، ﴿ ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ أي عباد الله وتقواه خير، لأن خلاف عبادالله تعطيل، وخلاف تقواه شرك، وكلاهما شر، ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَوْثَاناً ﴾ أصناماً، فلا تستحق العبادة لكونها أصناماً منحوتة لا شرف لها.
قوله :« وَتَخْلُقُونَ إفْكاً » العامة على فتح التاء، وسكون الخاء، ورفع اللام مضارع « خلق » و « إفْكاً » بكسر الهمزة وسكون الفاء، أي وتختلقون كذباً، أو تنحتون أصناماً، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن علي والسُّلَيْميّ، وقتادةُ بفتح الحاء واللام مشددة، وهو مضارع « تَخَلَّقَ » والأصل :« تَتَخَلقونَ » بتاءين فحذفت إحداهما « كَتَنَزَّلَ » ونحوه، روي عن « زيد بن علي » أيضاً تُخَلُقون بضم التاء وتشديد اللام مكسورة مضارع « خلّق » مضعفاً، وقرأ ابن الزبير، وفُضَيْل بن زَرْقَانِ إفكاً - بفتح الهمزة وكسرها - وهو مصدر كالكذب معنى ووزناً، وجوز الزمخشري في الإفْكِ - بالكسر والسكون - وجهين :
أحدهما : أن يكون مخففاً من الأَفِك بالفتح والكسر كالكَذِب واللَّعِب، وأصلها :( الكِذْب واللّعْب ) وأن يكون صفة على « فِعْلِ » أي خلقاً إفْكاً أي « ذَا إفْكٍ ».
قال شهاب الدين : وتقديره مضافاً قبل « إفك » مع جعله له صفة غيرُ مُحْتَاجٍ إليه ( وإنما كان يُحْتَاجُ إليه ) لو جعله مصدراً.
قوله :﴿ إِنَّ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً ﴾ لا يقدرون أن يرزقوكم، وهذا إشارة إلى عدم المنفعة في الحال والمآل. قوله :« رزقاً » يجوز أن يكون منصوباً على المصدر، وناصبه « لا يملكون » ؛ لأنه في معناه، وعلى أصول الكوفيين يجوز أن يكون الأصل : لا يملكون أن يَرْزُقُوكُمْ رزقاً، فإن « يرزقوكم » هو مفعول « يملكون »، ويجوز أن يكون بمعنى « المرزوق » فينتصب مفعولاً به، « فابْتَغُوا » فاطلبوا « عند الله الرزق » ( و ) هذا إشارة إلى استحقاق عبوديته لذاته.