قوله ( تعالى ) :﴿ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بالبشرى ﴾ من الله بإسحاقَ ويعقوبَ ﴿ قالوا إِنَّا مهلكوا أَهْلِ هذه القرية ﴾ يعني قوم لوطِ ﴿ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ ﴾. « قَالَ » إبْراهيم ﴿ إِنَّ فِيهَا لُوطاً ﴾، قالت الملائكة :﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا ﴾ ويأتي بقية الكلام على ذلك.
قوله :﴿ وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ ﴾ تقدم نظيرها إلا أن هنا زيدت « أن » وهو مطّرد تأكيداً.
اعلم أنه لما دعا لوطٌ على قومه بقوله :« رب انصرني » استجاب الله دعاءه، وأمره ملائكته بإهلاكهم وأرلهم مبشرين ومنذرين فجاءوا إبراهيم وبشَّرُوه بذرية طيبة وقالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية يعني أهل سَدُومَ.
« إحداهما » : أن الله جعلهم مبشرين ومنذرين لكن البشارة إثْرَ الرحمة والإنذار بالهلاك إثْرَ الغضب، ورحمته سبقت غضبه فقدم البشارة على الإنذار، وقال :﴿ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بالبشرى ﴾ ثم قال :« إنَّا مُهْلِكُوا »، « والثانية » : حين ذكروا البشرى ما هلكوا وقالوا : إنا نبشرك بأنك رسول، أو لأنك مؤمن أو لأنك عادل، وحين ذكروا الإهلاك هَلَكُوا، وقالوا : إن أهلها كانوا ظالمين لأن ذا الفضل لا يكون فضله بعوض، والعادل لا يكون عذابه إلا على جُرْمٍ.
فإن قيل : قال في قوم نوح :﴿ فَأَخَذَهُمُ الطوفان وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [ العنكبوت : ١٤ ] ( وقيل : إن ذلك إشارة إلى أنهم كانوا على ظلمهم حين أخذهم ولم يقل : وهم ظَالِمُونَ ).
فالجواب : لا فرق في الموضعين في كونهما مُهْلَكِينَ وهم مصرّون على الظلم لكن هناك الإخبار من الله عن الماضي حيث قال :« فأخذهم » وهم عند الوقوع في العذاب ظالمون وهاهنا الإخبار من الملائكة عن المستقبل حيث قالوا : إنا مهلكوا أهل هذه القرية، والملائكة ذكرواما يحتاجون إليه في ( إبانة ) حسن الأمر من الله بالإهلاك فقالوا :﴿ إِنَّا مهلكوا أَهْلِ هذه القرية ﴾ ؛ لأن الله أمرنا؛ وحال ( ما ) أمرنا كانُوا ظالمين فحسن أمر الله عند كل أحد وأما نحن فلا تخبر بما لا حاجة لنا إليه فإن الكلام في الملك بغيْر إذْنِهِ سوءُ أدب فنحن ما احتجنا إلا إلى هذه القَدْر وهو أنهم كانوا ظالمين في وقتنا هذا : وكونهم يَبْقُونَ كذلك فلا حاجة لنا إليه، ثم إن إبراهيم لما سمع كلامهم قال لهم :﴿ إِنَّ فِيهَا لُوطاً ﴾ إشفاقاً عليه لِيعْلم حاله، قالت الملائكة :﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ ﴾ قرأ حمزة والكسائيّ ويعقوبُ « لنُنْجِيَنهُ » - بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتشديد ﴿ وأهْلَهُ إلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الغَابِرينَ ﴾ أي الباقين في العذاب. وفي استعمال الغابر في المهلك وجهان؛ لأن الغابر لفظ مشترك في الماضي، وفي الباقي يقال : فِيمَا غَبَر من الزَّمَانِ أي فيما مضى وقال عليه ( الصلاة و ) السلام « لما سئل عن الماء من السباع فقال :» ولنا ماءٌ غير طهور «


الصفحة التالية
Icon