فصل
إذا شهدوا على فعل الزنا يجب أن يذكروا الزاني والمزني به، لأنه قد يراه على جارية ابنه فيظن أنه زنا.
ويجب أن يشهدوا أنا رأينا ذكره يدخل في فرجها دخول الميل في المُكْحُلة، فلو شهدوا مطلقاً أنه زنا لم يثبت، بخلاف ما لو قذف إنساناً وقال :« زنيتَ » يجب الحد ولا يستفسر، ولو أقر على نفسه بالزنا، فقيل : يجب أن يستفسر كالشهود، وقيل : لا يجب كما في القذف.
فصل
لا فرق بين أن يجيء الشهود مجتمعين أو متفرقين.
وقال أبو حنيفة : إذا شهدوا متفرقين لا يثبت، وعليهم حد القذف.
وحجة الأول : أن الإتيان بأربعة شهداء قدر مشترك بين الإتيان بهم مجتمعين ومتفرقين. وأيضاً فكل حكم ثبت بشهادة الشهود إذا جاءوا مجتمعين ثبت إذا جاءوا متفرقين كسائر الأحكام، بل هذا أولى، لأن مجيئهم متفرقين أبعد من التهمة وعن تلقن بعضهم من بعض، ولذلك إذا وقعت ريبة للقاضي في شهادة الشهود فرقهم، وأيضاً فإنه لا يشترط أن يشهدوا معاً في حالة واحدة، بل إذا اجتمعوا عند القاضي قدَّم واحداً بعد واحد ويشهد، وكذا إذا اجتمعوا على بابه يدخل واحد بعد واحد.
واحتج أبو حنيفة بأن الشاهد الواحد لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة من الشهداء فيجب عليه الحد للآية، أقصى ما في الباب أنهم عبروا عن القذف بلفظ الشهادة، وذلك لا عبرة به، لأنه يؤدي إلى إسقاط حدّ القذف رأساً، لأن كل قاذف يمكن أن يقذف بلفظ الشهادة ويتوسل بذلك إلى إسقاط الحد عن نفسه ويحصل مقصوده.
وأيضاً فإن المغيرة بن شعبة شهد عليه بالزنا أربعة عند عمر بن الخطاب : أبو بكرة، وشبل بن معبد، ونافع، ونفيع، قال زياد : وقال رابعهم : رأيت استاً تنبو، ونفساً يعلو، ورجلاها على عاتقه كأذني حمار، ولا أدري ما وراء ذلك، فجلد عمر الثلاثة، ولم يسأل : هل معهم شاهد آخر؟ فلو قبل بعد ذلك شهادة غيرهم لتوقف أداء الحد عليه.
فصل
لو شهد على الزنا أقل من أربعة لم يثبت، وهل يجب حد القذف على الشهود؟ فقيل : يجب عليهم حد القذف لما تقدم آنفاً.
وقيل : لا يجب لأنهم جاءوا مجيء الشهود، ولأنا لو حَدَدْنَا لانسد باب الشهادة على الزنا، لأن كل واحد لا يأمن أن يوافقه صاحبه فيلزمه الحد.
فصل
لو أتى القاذف بأربعة فساق فشهدوا على المقذوف بالزنا :
قال أبو حنيفة : يسقط الحد عن القاذف، ويجب الحد على الشهود.
وقال الشافعي في أحد قوليه : يُحَدُّون.
واحتج أبو حنيفة بأنه أتى بأربعة شهداء، فلا يلزمه الحد، والفاسق من أهل الشهادة، فقد وجدت شرائط الشهادة إلا أنه لم يقبل شهادتهم للتهمة.