قوله :﴿ الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ أي يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياء ولم يقل :« يُعِيدُهُمْ » رد على الخلق، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ؛ فيجزيهم بأعمالهم، قرأ أبو بكر، وأبو عمرو « يَرْجِعُونَ » - بالياء - والآخرون بالتاء.
قوله :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُبْلِسُ المجرمون ﴾ قرأ العامة « يُبْلِسُ » ببنائه للفاعل وهو المعروف يقال : أَبْلَسَ الرجل أي انقطعت حجته فكست وهو قاصر لا يتعدى، قال العجاج :
٤٠٣٦ - يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْماً مُكْرَسَا... قَالَ : نَعَمْ أَعْرِفُهُ وَأَبْلَسَا
وقرأ السُّلَمِيُّ :« يُبْلَسُ » مبنيّاً للمفعول، وفيه بعدٌ، لأن أبْلَسَ يتعدى، وقد خُرِّجَتْ هذه القراءة على أن القائم مقام الفاعل مصدر الفعل، ثم حذف ( المضافُ، وأقيم ) المضاف إليه مُقَامَهُ، إذ الأصل يُبْلَسُ إبْلاَس المجرمين، و « يبلس » هو الناصب « ليَوْمَ تَقُومُ » و « يَوْمَئِذٍ » مضاف لجملة تقديرها يَوْمَئِذٍ يقوم وهذا كأنه تأكيد لفظي، إذ يصير التقيدر يبلس المجرمون ( يوم تقوم الساعة ).

فصل


قال قتادةُ والكَلْبِيُّ : المعنى يبلس المشركون من كل خير؛ وقال الفراء : ينقطع كلامهم وحججهم. وقال مجاهد : يفتضحون. ولم يكن لهم شركائهم أصنامهم التي عبدوها ليشفعوا لهم شفعاء، ﴿ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ يتبرأون منها وتتبرأُ منهم.
قوله :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ أي بين أهل الجنة من أهل النار، قال مقاتل : يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبداً كما قال تعالى :﴿ فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير ﴾ [ الشورى : ٧ ]. قوله :﴿ فَأَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ ﴾ وهي البستان الذي في غاية النضارة، وقوله :« يُحْبَرُونَ » قال ابن عباس يكرمون. وقال قتادة ومجاهد : يُنَعمون، وقال مجاهد وأبو عبيدة : يسرون، والحَبْر والحُبُور السرور. وقيل الحَبْرة في اللغة كل نعمة حسنة والتَّحْبير التَّحْسِينُ يقال هو حسن الحِبرَ والسِّبر بكسر الحاء والسين وفتحهما وفي الحديث :« حَبْرْتُهُ لَكَ تَحْبِيراً »، أي حسنت لك صوتي والقرآن تحسيناً، وجاء في الحديث « يَخْرُجُ من النَّارِ رَجُلٌ ذَهَبَ حَبْرُهُ وسَبْرُهُ » فالمفتوح مصدر والمكسور اسم، والروضة الجنة، قيل : ولا تكون روضة إلا وفيها نبت، وقيل : إلا وفيها ماء، وقيل : ما كانت منخفضة، والمرتفعة يقال لها : تُرعة، وقيل : لا يقال لها روضة إلا وهي في مكان غليظ مرتفع. قال الأعشى :
٤٠٣٧ - ما رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةً خَضْرَاءَ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ
وأصل رياضٍ رَواضٌ، فقلبت الواو ياء على حدِّ حَوْصٍ وحِيَاضٍ ونكر الروضة للتعظيم، وقال ههنا : يُحْبَرُونَ : بصيغة الفعل ولم يقل « مَحْبُرُونَ » وقال في الأخرى ( مُحْضَرُون ) بصيغة الاسم ولم يقل « يُحْضَرُونَ » لأن الفعل يدل على التجديد، والاسم لا يدل عليه، فقوله « يحبرون » يعني كل ساعة يأتيهم ما يسرون به، وقوله « محضرون » أي الكفار في العذاب يبقون ( فيه ) مُحْضَرُونَ.


الصفحة التالية
Icon