٤٠٣٩ - وَمَا الدَّهْرُ إلاَّ تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا أموت............................
أي منهما تارة أموت منها.
الرابع : أن التقدير : ومن آياته سحابٌ أو شيءٌ يريكم؛ فيريكم صفة لذلك المقدر، وفاعل « يريكم » ضمير يعود عليه بخلاف الوجه قبله، فإن الفاعل ضمير الباري تعالى.

فصل


المعنى يريكم البرقَ خوفاً للمسافرين من الصواعق، وطمعاً للمقيمين في المطر وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون ﴾.

فصل


قدم لوازم الأنفس على العوارض المفارقة ( حيث ذكر أولاً اختلاف الألسنة والألوان ثم المنام والأبتغاء، وقدم في الآفاق العارضة المفارقة ) على اللوازم حيث قال :﴿ يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ ﴾ وذلك لأن الإنسان متغير الحال، فالعوارض فيها أغرب من اللوازم فقدم ما هو عجيب لكونه أدخلَ في كونهِ « آيةً » فإن الإنسان يتغير حاله بالكبر والصغر والصحة والسقم فله صوت يعرف به لا يتغير ول لون يتميز به عن غيره، وهو متغير بذلك في الأحوال وذلك لا يتغير وهو آية عجيبة والسماء ( والأرض ) ثابتان لا يتغيران ثم نرى في بعض الأحوال أمطاراً هاطلةً، وبُرُوقاً هائِلةً والسماء كما كانت والأرض كما كانت وذلك آية تدل على فاعل مختار يديم أمراً مع تغير المحلِّ ويُزِيل أمراً مع ثبات المحلِّ.

فصل


كما قدم السماء على الأرض قدم ما هو من السماء وهو البرق والمطر على ما هو من الأرض وهو الإنبات والإحياء وكما أن في إنزال المطر وإنبات الشجر منافعَ كذلك في تقديم الرعد والبرق على المطر منفعة وهي أن البرق إذا لاح فالذي لا يكون تحت كِنّ يخاف الابتلاء فيستعد له، والذي له صهْريج، أو مصنع يحتاج إلى ماء أو زرع يسوي مجاري الماء، وأيضاً أهل البوادي لا يعلمون أن البلاد عشبة إن لم يكونوا قد رأوا البروقَ اللائحة من جانبٍ دُونَ جانبٍ، واعلم أن دلائل البرق وفوائده وإن لم تظهر للمُقِيمينَ في البلاد فهي ظاهرة للبادين فلهذا جعل تقديم البرق على تنزيل الماء من السماء نعمة وآية.

فصل


أما كونه آيةً فلأن الذي فس السحاب ليس إلا ماءً وهواءً وخروج النار منهما بحيث يحرق الجبال في غاية البعد فلا بد له من خالق وهو الله. وقالت الفلاسفة : السحاب فيه كثافة ولطافة بالنسبة إلى الهواء أو الماء فالهَوَى ألطف منه والماء أكثف فإذا هبت الريحُ قويةً تحرك السحابُ فيَحْدُثُ صوت الرعد وتخرج منه النار، كما أن النار تخرج من وَقْعِ الحَجَر على الحَديد فإن قيل : الحديد والحجر جسمان صُلْبَان، والسحاب والريح جسمان ( لَيَنانٍ ) ( فنقول لكن حركة يد الإنسان ضعيفة، وحركة الريح قوية تقلع الأشجار ) فنقول لهم الرعد والبرق ( أَمْرانِ ) حادثان لا بد لهما من مسبِّب، وقد علم بالبرهان كونُ كلِّ حادث ( فهما ) من الله ثم نقول :( هب ) أن الأمر كما يقولون فهبوب تلك الريح القوية من الأمور الحادثة العجيبة فلا بد لها من سبب وينتهي إلى واجب الوجود فهو آية للعاقل على قدرة الله كَيْفَمَا فَرَضْتُمْ.


الصفحة التالية
Icon