قوله :﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ أي بين لكم شبهاً بحالكم ذلك المثل من أنفسكم، و « من » لابتداء الغاية في موضع الصفة « لِمَثَلاً »، أي أخذ مثلاً وانْتَزَعَهُ من أقْرَبِ شيء منكم وهو « أنفسكم » ثم بين المثل فقال :﴿ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ من المال، والمعنى أن من يكون مملوكاً لا يكون شريكاً له في ماله فكيف يجوز أن يكون عباد الله شركاء له وكيف يجوز أن يكون لهم عظمة الله تعالى حتى يعبدوا.
قوله :« مِنْ شُرَكَاء » مبتدأ و « من » مزيدة فيه لوجود شرطي الزيادة، وفي خبره وجهان : أحدهما : الجار الأول وهو « لَكُمْ » و « مِمَّا مَلَكَتْ » يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من « شركاء » ؛ لأنه في الأصل نعت نكرة قدم عليها، والعامل فيه العامل في هذا الجار الواقع خيراً، أو الخبر مقدر بعد المبتدأ، و « فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ » « بشركاء » و « ما » في « مما » بمعنى النوع، تقدير ذلك كله : هل شركاءُ فيما رزقناكم كائنونَ من النَّوْعِ الذي مَلَكتْهُ أيْمَانُكُمْ مستقرون لكم؟ « فكائنون » هو الوصف المتعلق به « ممَّا مَلَكتْ » ولما تقدم صار حالاً و « مستقرون » هو الخبر الذي تعلق به « لكم ».
والثاني : أن الخبر « مِمَّا مَلَكَتْ » و « لَكُمْ » متعلق بما تعلق به الخبر، أو بمحذوف على أنه حال من « شركاء » أو بنفس « شركاء » كقولك : لَكَ في الدنيا محب « فلك » متعلق ( بِمُحِبٍّ ) وفي الدنيا هو الخبر. قوله :﴿ وَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ﴾ هذه الجملة جواب للاستفهام الذي بمعنى النفي « وَفِيهِ » متعلق « بسَوَاء ».
قوله :« تَخَافُونَهُمْ » فيه وجهان :
أحدهما : أنها خبر ثان « لأنتم » تقديره « فأنتم » مُسْتَوُونَ معهم فيما رزقناكم خائفوهم كخوف بعضهم بعضاً أيها السادة، والمراد نفي الأشياء الثلاثة أعني الشركة والاستواء مع العَبِيد وخوفهم إياهم، وليس المراد ثبوت الشركة، ونفي الاستواء والخوف كما هو أحد الوجهين في قولك : مَا تَأْتِينَا فَتُحَدِّثَنَا بمعنى ما تأتينا محدِّثاً بل تأتينا ولا تحدثُنا بل المراد نفي الجميع كما تقدم. وقال أبو البقاء :﴿ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ﴾ الجملة في موضع نصب على جواب الاستفهام أي هل لكم فتستووا أنتم. وفيه نظر كيف يجعل جملة اسمية حالة محل جملة فعليه ويحكم على موضع الاسمية بالنصب بإضمار ناصب، هذا مما لا يجوز ولو أنه فسر المعنى وقال : إن الفعل لو حل بعد الفاء لكان منصوباً بإضمار « أَنْ » لكان صحيحاً، ولا بد أيضاً أن يبين أن النصب على المعنى الذي قدمته من نفي الأشياء الثلاثة.