وذهب قوم إلى أن شهادة المحدود في القذف لا تقبل أبداً وإن تاب، وقالوا : الاستثناء يرجع إلى قوله :﴿ وأولئك هُمُ الفاسقون ﴾ وهو قول النخعي وشريح وأصحاب الرأي.
وقالوا : بنفس القذف ترد شهادته ما لم يحد.
قال الشافعي : هو قبل أن يحد شر منه حين يحد لأن الحدود كفارات، فكيف تردون شهادته في أحسن حالته وتقبلونها في شر حالته.
وذهب الشعبي إلى أن حد القذف يسقط بالتوبة.
وقالوا : الاستثناء يرجع إلى الكل.
وعامة العلماء على أنه لا يسقط بالتوبة إلا أن يعفو عنه المقذوف فيسقط كالقصاص يسقط بالعفو ولا يسقط بالتوبة.
فإن قيل : إذا قبلتم شهادته بعد التوبة فما معنى قوله :« أبَداً » ؟
قيل : معناه : لا تقبل شهادته أبداً ما دام مصرًّا على قذفه، لأن أبد كل إنسان على ما يليق بحاله، كما يقال : لا تقبل شهادة الكافر أبداً، يراد : ما دام كافراً.

فصل


اختلفوا في كيفية التوبة بعد القذف.
فقيل : التوبة منه إكذابه نفسه بأن يقول : كذبت فلا أعود إلى مثله.
وقيل : لا يقول كذبت، لأنه ربما يكون صادقاً، فيكون قوله :« كذبت » كذباً، والكذب معصية، وإتيان المعصية لا يكون توبة عن معصية أخرى، بل يقول : القذف باطل، ندمت على ما قلت ورجعت عنه ولا أعود إليه. ولا بد من مضي مدة عليه بعد التوبة يحسن حاله فيها حتى تقبل شهادته، وقدر تلك المدة سنة حتى يمر عليه الفصول الأربعة التي تتغير فيها الأحوال والطباع كأجل العنِّين، وقد علق الشرع أحكاماً بالنسبة من الزكاة والجزية وغيرهما، وهذا معنى قوله :« وَأَصْلَحُوا »، ثم قال :﴿ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي يقبل التوبة.
لما ذكر أحكام قذف الأجنبيات عقبه بأحكام قذف الزوجات.


الصفحة التالية
Icon