قوله :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ ﴾. في رفع « أنفسهم » وجهان :
أحدهما : أنه بدل من « شُهَدَاءُ »، ولم يذكر الزمخشري في غضون كلامه ( غيره ).
والثاني : أنه نعت له على أن « إلا » بمعنى : غير.
قال أبو البقاء : ولو قرئ بالنصب لجاز على أن يكون خبر « كانَ »، أو منصوباً على الاستثناء، وإنما كان الرفع هنا أقوى لأن « إلا » هنا صفة للنكرة كما ذكرنا في سورة الأنبياء.
قال شهاب الدين : وعلى قراءة الرفع يحتمل أن تكون « كان » ناقصة، وخبرها الجار، وأن تكون تامة، أي : ولم يوجد لهم شهداء.
وقرأ العامة « يَكُنْ » بالياء من تحت، وهو الفصيح، لأنه إذا أسند الفعل لما بعد « إلا » على سبيل التفريغ وجب عند بعضهم التذكير في الفعل نحو « ما قام إلا هند » ولا يجوز « ما قامت » إلا في ضرورة كقوله :
٣٨١٥- وَمَا بَقِيَتْ إِلاَّ الضُّلُوعُ الجَرَاشِعُ... أو في شذوذ، كقراءة الحسن :﴿ لاَ تُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ ﴾.
وقرئ :« وَلَمْ تَكُنْ » بالتاء من فوق، وقد عرف ما فيه.
قوله :« فَشَهَادةُ أَحَدِهِمْ » في رفعها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون مبتدأ، وخبره مقدر التقديم، أي : فعليهم شَهَادة، أو مؤخر أي : فشهادة أحدهم كافية أو واجبة.
الثاني : أن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي : فالواجب شهادة أحدهم.
الثالث : أن يكون فاعلاً بفعل مقدر، أي : فيكفي، والمصدر هنا مضاف للفاعل.
وقرأ العامة :« أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ » بالنصب على المصدر، والعامل فيه « شَهَادة ». فالناصب للمصدر مصدر مثله كما تقدم في قوله :﴿ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً ﴾ [ الإسراء : ٦٣ ]. وقرأ الأخوان وحفص برفع « أَرْبَعُ » على أنها خبر المبتدأ، وهو قوله :« فَشَهادةُ ». ويتخرج على القراءتين تعلق الجار في قوله :« بِاللَّهِ ».
فعلى قراءة النصب يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يتعلق ب « شَهَادَاتٍ » لأنه أقرب إليه.
والثاني : أنه متعلق بقوله :« فَشَهَادَةُ » أي : فشهادة أحدهم بالله، ولا يضر الفصل ب « أَرْبَعُ » لأنها معمولة للمصدر فليست أجنبية.
الثالث : أن المسألة من باب التنازع، فإن كلاًّ من « شَهَادَةُ » أو « شَهَادَاتٍ » يطلبه من حيث المعنى، وتكون المسألة من إعمال الثاني للحذف من الأول، وهو مختار البصريين وعلى قراءة الرفع يتعين تعلقه ب « شَهَادَاتٍ » إذ لو علقت ب « شَهَادةُ » لزم الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر، ولا يجوز أنه أجنبي.
ولم يختلف في « أَرْبَعَ » الثانية، وهي قوله :﴿ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ ﴾ أنها منصوبة، للتصريح بالعامل فيها وهو الفعل.