قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ ﴾ الآية.
يجوز أن يكون « يَأْتَلِ » :« يفتعل »، من الألية، وهي الحلف، كقوله :
٣٨٢١- وَآلَتْ حَلْفَةً لَمْ تَحَلَّلِ... ونصر الزمخشري هذا بقراءة الحسن « ولا يَتَأَلَّ » من الأليَّة، كقوله :« مَنْ يَتَأَلَّ عَلَى اللَّهِ يُكَذبْهُ ».
ويجوز أن يكون « يفتعل » من أَلَوْت، أي : قَصَّرْتُ، كقوله تعالى :﴿ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ﴾ [ آل عمران : ١١٨ ] قال :
٣٨٢٢- وَمَا المَرْءُ مَا دَامَتْ حُشَاشَة نَفْسِهِ | بمُدْرِكِ أَطْرَافِ الخُطُوبِ وَلاَ آلِ |
٣٨٢٣- تَألَّى ابنُ أَوْسٍ حَلْفَةً لَيَرُدُّنِي | إلى نِسْوَةٍ كَأَنَّهُنَّ مَفَائِدُ |
وقرأ أبو حيوة وأبو البرهسيم وابن قطيب :« تؤتوا » بتاء الخطاب، وهو التفات موافق لقوله :« أَلاَ تُحِبُّون ». وقرأ الحسن وسفيان بن الحسين « ولتعفوا ولتصفحوا » بالخطاب وهو موافق لما بعده.
فصل
المشهور أن معنى الآية : لا يحلف أولو الفضل، فيكون « افتعال » من الألية.
قال أبو مسلم : وهذا ضعيف لوجهين :
أحدهما : أن ظاهر الآية على هذا التأويل يقتضي المنع عن الحلف على الإعطاء، وهم أرادوا المنع على ترك الإعطاء، فهذا المتأول قد أقام النفي مكان الإيجاب، وجعل المنهي عنه مأموراً به.
الثاني : أنه قلما يوجد في الكلام « أَفتعَلت » مكان « أفعلت » ( وإنما وجد مكان « فعلت » ) وهنا آليْتُ من الأليّة :« افْتَعَلْتُ » فلا يقال : أفعلت، كما لا يقال من ألزمت التزمت، ومن أعطيت اعتطيت. ثم قال في « يأتل » : إن أصله « يأتلي » ذهبت الباء للجزم لأنه نهي، وهو من قولك : مَا ألوتُ فلاناً نصحاً، ولم آل في أمري جُهْداً، أي : ما قصرت. ولا يأل ولا يأتل ولم يأل والمراد : لا تقصروا في أن تحسنوا إليهم، ويوجد كثيراً « افْتَعَلْتُ » مكان « فَعَلْت »، تقول : كسبتُ واكتسبت، وصنعتُ واصطنعتُ، وهذا التأويل مروي عن أبي عبيدة. قال ابن الخطيب :« وهذا هو الصحيح دون الأول ».
وأجاب الزجاج عن الأول بأن « لا » تحذف في اليمين كثيراً، قال الله تعالى :﴿ وَلاَ تَجْعَلُواْ الله عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٤ ] يعني : أن لا تبروا، وقال امرؤ القيس :
٣٨٢٤- فَقُلْتُ يَمِين اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِداً... أي : لا أبرح.
وأجابوا عن السؤال الثاني أن جميع المفسرين الذين كانوا قبل أبي مسلم فسروا اللفظ باليمين، وقول واحد منهم حجة في اللغة، فكيف الكل؟ ويعضده قراءة الحسن :« ولا يَتَأَلَّ ».