والثاني : أن يكون المراد أنهم يوافون بالطاعة، فكأنه تعالى قال : قد غفرتُ لكم لعلمي بأنَّكم تموتون على التوبة والإنابة، فذكر حالهم في الوقت وأراد العاقبة.
فصل
دلت الآية على أن ( الأيمان على ) الامتناع من الخير غير جائز، وإنما يجوز إذا حصلت داعية صارفة عنه.
فصل
مذهب الجمهور أنَّ من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، أنه ينبغي له أن يأتي الذي هو خير ثم يكفر عن يمينه.
وقال بعضهم : إنه يأتي بالذي هو خير، وذلك هو كفارته، لأن الله تعالى أمر أبا بكر بالحنث ولم يوجب عليه كفارة. ولقوله عليه السلام :« مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فرأى غيرها خيراً مِنْهَا فليأتِ الذي هو خير، وذلك كفارته ».
واحتج الجمهور بقوله تعالى :﴿ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان فَكَفَّارَتُهُ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ]، وقوله :﴿ ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ]، وقوله لأيوب - عليه السلام - :﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ ﴾ [ ص : ٤٤ ] وقد علمنا أن الحنث كان خيراً من تركه، ولو كان الحنث فيها كفارتها لما أمر بضربها، بل كان يحنث بلا كفارة، وقال عليه السلام :« مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمينٍ فرَأَى غيرَها خيراً منْهَا فليأتِ الَّذِي هو خيرٌ وليكفِّرْ عن يمينه ».
وأما قولهم : إنَّ الله تعالى لم يذكر الكفارة في قصة أبي بكر، فإن حكمها كان معلوماً عندهم. وأما قوله عليه السلام :« وليأت الذي هو خير، وذلك كفارته » فمعناه : تكفير الذنب لا أنه الكفارة المذكورة في الكتاب.
فصل
روي عن عائشة أنها قالت :« فَضِلْتُ على أزواج النبي بعشر خصال :
تزوج رسول الله بي بكراً دون غيري، وأبواي مهاجران، وجاء جبريل بصورتي وأمره أن يتزوج بي، وكنت أغتسل معه في إنائه، وجبريل ينزل عليه وأنا معه في لحاف، وتزوج في شوال، وبنى بي في ذلك الشهر وقبض بين سحري ونحري، وأنزل الله عذري من السماء، ودفن في بيتي، وكل ذلك لم يساوني فيه غيري ».
وقال بعضهم :« لقد برَّأ الله أربعة بأربعة : بَرأ يوسف ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ ﴾ [ يوسف : ٢٦ ]، وبرأ موسى من قول اليهود بالحجر الذي ذهب بثوبه، وبرأ مريم بإنطاق ولدها، وبرأ عائشة بهذه الآيات في كتابه المتلو على وجه الدهر ».