قوله :﴿ ذلك أزكى لَهُمْ ﴾.
أي : غض البصر وحفظ الفرج أزكى لهم، أي : خير لهم وأطهر ﴿ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ عليمٌ بما يفعلون.
قوله :﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ الكلام فيه كما تقدم وقدم غض البصر على حفظ الفرج لأن النظر بريد الزنا، والبلوى فيه أشد وأكثر، ولا يكاد يقدر على الاحتراز منه.
قوله :﴿ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ أي : لا يظهرن زينتهن لغير محرم، والمراد بالزينة : الخفية، وهما زينتان : خفية وظاهرة. فالخفية : مثل الخلخال والخضاب في الرِّجْل، والسوار في المعصم، والقرط والقلائد، فلا يجوز لها إظهارها، ولا للأجنبي النظر إليها. والمراد بالزينة : موضع الزينة.
وقيل : المراد بالزينة : محاسن الخَلْق التي خلقها الله، وما تزين به الإنسان من فضل لباس، لأن كثيراً من النساء ينفردن بخَلْقِهِنَّ من سائر ما يُعَدُّ زينة، فإذا حملناه على الخِلْقَة وفينا العموم حقه، ولا يمنع دخول ما عدا الخِلْقة فيه، ولأنَّ قوله :﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ ﴾ يدل على أن المراد من الزينة ما يعم الخِلْقة وغيرها، فكأنها تعالى منعهن من إظهار محاسن خلقهن، موجباً سترها بالخمار.
قوله :﴿ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾. أما الذين حملوا الزينة على الخلقة فقال القفال : معنى الآية : إلا ما يظهره الإنسان في العادة، وذلك من النساء : الوجه والكفان، ومن الرجال : الوجه واليدان والرجلان، فرخص لهم في كشف ما اعتيد كشفه، وأدت الضرورة إلى إظهاره، وأمرهم بستر ما لا ضرورة في كشفه. ولما كان ظهور الوجه والكفين ضرورة لا جرم اتفقوا على أنهما ليسا بعورة.
وأما القدم فليس ظهوره ضرورياً فلا جرم اختلفوا فيه هل هو من العورة أم لا؟ والصحيح أنه عورة. وفي صوتها وجهان :
أصحهما ليس بعورة، لأن نساء النبي - عليه السلام - كن يروين الأخبار للرجال.
وأما الذين حملوا الزينة على ما عد الخلقة، قالوا : إنه تعالى إنما ذكر الزينة لأنه لا خلاف في أنه يحل النظر إليها حال ( انفصالها عن أعضاء المرأة، فلما حرم الله النظر إليها حال ) اتصالها ببدن المرأة كان ذلك مبالغة في حرمة النظر إلى أعضاء المرأة. وعلى هذا القول يحل النظر إلى زينة وجهها من الوَشمَة والغُمْرَة، وزينة بدنها من الخضاب والخواتيم والثياب، لأن سترها فيه حرج، لأن المرأة لا بد لها من مزاولة الأشياء بيديها، والحاجة إلى كشف وجهها للشهادة والمحاكمة والنكاح.
قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي :« الزينة الظاهرة التي استثنى الله الوجهُ والكفان ».
وقال ابن مسعود : هي الثياب، لقوله تعالى :﴿ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [ الأعراف : ٣١ ].
وقال الحسن : الوجه والثياب.
وقال ابن عباس : الكحْل والخاتم والخضاب في الكف. فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للرجل الأجنبي النظر إليها إذا لم يخف فتنة وشهوة، فإن خاف شيئاً منها غض البصر.


الصفحة التالية
Icon