وقيل : أراد الصلاح لأمر النكاح حتى يقوم العبد بما يلزم لها، وتقوم الأمة بما يلزم للزوج. وقيل : أراد بالصلاح ألا تكون صغيرة لا تحتاج إلى النكاح.

فصل


ظاهر الآية يدل على أنّ العبد لا يتزوج نفسه، وإنما يتولى تزويجه مولاه، لكن ثبت بالدليل أنه إذا أمره بأن يتزوج جاز أن يتولى تزويج نفسه، فيكون توليه بإذنه بمنزلة تولي السيد. فأما الإماء فإنَّ المولى يتولى تزويجهنَّ خصوصاً على قول من لا يجوِّز النكاح إلا بوليّ.

فصل


الولي شرط في صحة النكاح لقوله عليه السلام :« لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَليّ ».
وقال عليه السلام :« أيُّمَا امرأةٌ نكحَتْ بغير إذن وليِّها فنكاحُها باطلٌ »، فإن أصابها فلها المهر بما استحلَّ من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان وليُّ ( من لا وليّ له ). قوله :﴿ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ ﴾ الأصح أن هذا ليس وعداً بإغناء من يتزوج، بل المعنى : لا تنظروا إلى فقر من يخطب إليكم، أو فقر من تريدون تزويجها، ففي فضل الله ما يغنيهم، والمال غادٍ ورائح، وليس في الفقر ما يمنع من الرغبة في النكاح، فهذا معنى صحيح، وليس فيه أن الكلام قصد به وعد الغنى حتى لا يجوز أن يقع فيه خلف. وروي عن قدماء الصحابة ما يدلّ على أن ذلك وعد، فروي عن أبي بكر قال :« أطيعُوا اللَّهَ فيما أمركُم به من النكاح ينجز لكم ما وَعَدكُم من الغِنَى ». وعن عمر وابن عباس مثله. وشكى رجل إلى رسول الله - ﷺ - الحاجة، فقال :« عليك بالباءة »، ويزيد الله في مروءتكم. فإن قيل : فنحن نرى من كان غنياً فتزوج فيصير فقيراً؟ فالجواب من وجوه :
أحدها : أن هذا الوعد مشروط بالمشيئة في قوله :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ ﴾ [ التوبة : ٢٨ ] والمطلق يحمل على المقيد.
وثانيها : أن اللفظ وإن كان عامّاً إلا أنه يخصّ بعض المذكورين دون البعض، وهو في الأيامى الأحرار الذين يملكون فيستغنون بما يملكون.
وثالثها : المراد بالغنى : العفاف، فيكون الغنى هنا معناه : الاستغناء بالنكاح عن الوقوع في الزنا.

فصل


استدل بعضهم بهذه الآية على أن العبد والأمة يملكان، لأن ذلك راجع إلى كل من تقدم، فاقتضى أن العبد قد يكون فقيراً وغنياً، وذلك دل على الملك، فثبت أنهما يملكان. والمفسرون تأولوه على الأحرار خاصة، فقالوا : هو راجع إلى الأيامى، وإن فسرنا الغنى بالعفاف سقط استدلالهم.
وقوله :﴿ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ أي يوسع عليهم من أفضاله، « عَلِيمٌ » بمقادير ما يصلحهم من الإفضال والرزق.


الصفحة التالية
Icon