وقال أكثر الفقهاء : إنه أمر استحباب، وهو ظاهر قول ابن عباس والحسن والشعبي، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد لقوله عليه السلام :« لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه » ولأنه لا فرق بين أن يطلب الكتابة أو يطلب بيعه ممن يعتقه في الكفارة، فكما لا يجب ذلك فكذا الكتابة فإن قيل : كيف يصح أن يبيع ماله بماله؟
فالجواب : إذا ورد الشرع به جاز، كما إذا علق عتقه على مال يكسبه فيؤديه أو يؤدى عنه صار سبباً لعتقه.
فإن قيل : هل يستفيد العبد بعقد الكتابة ما لا يملكه لولا الكتابة؟
فالجواب : نعم، لأنه لو دفع إليه الزكاة قبل الكتابة لم يحل له أخذها، وإذا صار مكاتباً حل له أخذها سواء أدى فعتق، أو عجز فعاد إلى الرق. واستفاد أيضاً أن الكتابة تبعثه على الاجتهاد في الكسب، ولولاها لم يكن ليفعل ذلك. ويستفيد المولى الثواب، لأنه إذا باعه فلا ثواب، وإذا كاتبه فالولاء له، فورد الشرع بجواز الكتابة لهذه الفوائد.
قوله :﴿ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ﴾ قال عليه السلام :« إن علمتم لهم حرفة، ولا تدعوهم كلاًّ على الناس » وقال ابن عمر : قوة على الكسب، وهو قول مالك والثوري.
قال عطاء والحسن ومجاهد والضحاك : الخير : المال، لقوله تعالى :﴿ إِن تَرَكَ خَيْراً ﴾ [ البقرة : ١٨٠ ] أي : مالاً. قال عطاء : بلغني ذلك عن ابن عباس. ويروى أن عبداً لسلمان الفارسي قال له : كاتبني. قال : لك مال؟ قال : لا. قال : تريد أن تطعمني أوساخ الناس ولم يكاتبه. قال الزجاج : لو أراد به المال لقال : إنْ عَلِمْتُم لهم خيراً.
وأيضاً فلأن العبد لا مال له، بل المال لسيده. وقال إبراهيم النخعي وبن زيد وعبيدة : صدقاً وأمانة. وقال طاوس وعمرو بن دينار : مالاً وأمانة.
وقال الحسن : صلاحاً في الدين. قال الشافعي : وأظهر معاني الخير في العبيد : الاكتساب مع الأمانة، وأجاب ألا يمتنع من الكتابة إذا كان هكذا، لأن مقصود الكتابة قلما يحصل إلا بهما، فإنه ينبغي أن يكون كسوباً يحصل المال، ويكون أميناً يصرفه في نجومه ولا يضيعه.
قوله :﴿ وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله الذي آتَاكُمْ ﴾. قيل : هذا خطاب للموالي، يجب على المولى أن يحط عن مكاتبه من مال الكتابة شيئاً، وهو قول عثمان وعليّ والزبير وجماعة، وبه قال الشافعي وهؤلاء اختلفوا في قدره : فقيل : يحط عنه ربع مال الكتابة، وهو قول عليّ، ورواه بعضهم عن عليّ مرفوعاً.


الصفحة التالية
Icon