وتقدم الكلام على نظير قوله :﴿ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة ﴾ إلى قوله :« المُفْلِحُونَ ».
قوله :﴿ وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث ﴾ لم ابين أن القرآن كتابٌ حيكمٌ يشتملُ على آياتِ حكيمة بين حال الكفار أنهم يَترُكُون ذلك ويشتغلون بغيره. قال مقاتل والكلبي : نزلت في النَّضْرِ بْنِ الحَارِث كان يَتَّجرُ فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشاً ويقول : إن محمداً يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث « رُسْتم، واسفِنْديَار »، وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فأنزل الله هذه الآية، وقال مجاهد : يعني شراء القِيَانِ والمُغَنِّينَ، ووجه الكلام على هذا التأويل من يشتري ذاتَ او ذَا لَهْوِ الحَدِيث، قال عَليه ( الصلاة و ) السلام :« لا يحل ( تعليم ) المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام » وفي مثل هذا نزلت الآية ﴿ وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله ﴾ وما من رَجُلٍ يرفع صوته بالغناء إلاَّ بعث الله عليه شياطنين أحدهما على هذا المَنْكِبِ والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى هو الذي يسكت قال النحويون قوله :« لَهْوَ الحديث » من باب الإضافة بمعنى « مِنْ » ح لأن اللهو يكون حديثاً وغيرهَ فهو كباب، وهذا أبلغ من حذف المضاف.
قوله :« لِيُضِلَّ » ( قرأه ابن كثير وأبو عمرو ) بفتح حرف المضارعة، والباقون بضمه لمن « أَضَلَّ غَيْرَهُ » فمفعوله محذوف، وهو مستلزم للضلال لأن من « أَضَلَّ » فقد « ضَلَّ » من غير عكس، وقد تقدم ذلك في إبراهيم. قال الزمخشري هنا : فإن قلت : القراءة بالرفع بينة لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو أن يصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه، فما معنى القراءة بالفتح؟ قلت : معنيان :
أحدهما : ليثبت على ضلالة الذي كان عليه ولا يَصْدِفَ ويزيدَ فيه ويمده فإن المخذول كان شديد التمكّن في عداوة الدين وصد الناس عنه.
الثاني : ان موضع « ليضل » ( موضع ) من قِبَلِ أنَّ من « أَضَلَّ » كان ضالاًّ لا محالة، فدل بالرَّدِيفِ على المَرْدُوفِ.

فصل


روي عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا :( لهو ) الحديث هو الغناء، والآية نزلت فيه، ومعنى قوله :﴿ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث ﴾ أي يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن، وقال ابن جريح : هو الطبل، وقال الضحاك : وهو الشرك، وقال قتادة : حسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ.
قوله :« بغير علم » حال أن يشتري بغير علم بأحوال التجارة حيث اشترى ما يخسر قيمة الدَّارَيْنِ.
قوله :« وَيَتَّخِذَهَا » قرأ الأحوان وحفص بالنصب أي بنصب الذَّال عطفاً على « لِيُضِلَّ » وهو علة كالذي قبله.


الصفحة التالية
Icon