وقال ابن زيد في قوله :﴿ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ ﴾ كانت العرب في الجاهيلة يتبادلونَ بأزواجهم يقول الرجل : بادِلْنِي بامرأتك وأبادِلك بأمْرأتي، تنزل لي عن امرأتك وانزل لك عن امرأتي، فأنزل الله - تعالى - ﴿ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ ﴾ يعني تبادل بأزواجك غيرك بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته ﴿ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت، فأما الحَرَائِرُ فلا، روى عطاء بن يَسَارِ عن أبي هُرَيْرَةَ قال :« دخل عُيَيْنَةُ بن حصن على النبي - ﷺ - بغير إذن وعنده عائشة فقال النبي - ﷺ - يا عيينة أين الاستئذانُ؟ قال يا رسول الله : ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت، ثم قال : مَنْ هذه الحميراء التي جنبك؟ فقال : هذه عائشة أم المؤمنين فقال عيينة : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق؟ فقال رسول الله - ﷺ - إن الله قد حرم ذلك فلما خرج قالت عائشة : من هذا يا رسول الله؟ قال : هذا أحمق مُطَاع وإنه على ما تَرَيْن لسيدُ قومه » قوله :« وَلَوْ أَعْجَبَكَ » كقوله :« أَعْطُوا السَّائِلَ وَلَوْ على فَرَسٍ » أي في كل حال ولو على هذه الحال المنافية قال الزمخشري : قوله « حسنهن » في معنى الحال.
فصل
معنى ﴿ ولو أعجبك حسنهن ﴾ أي ليس لك أن تطلق أحداً من نسائك وتنكح بدلها أخرى ولو أعجبك جمالها. قال ابن عباس يعني أسماء ينت عميْس الخَثْعَمِيَّة امرأة جعفر بن أبي طالب فلما استشهد جعفر أراد رسول الله - ﷺ - أن يَخْطِبَها فنهي عن ذلك. وقال بعض المفسرين ظاهر هذا ناسخ لما كان قد ثبت له عليه ( الصلاة و ) السلام من أنه إذا رأى واحدة فوقعت في قلبه مَوْقِعاً كانت تحرم على الزوج ويجب عليه طلاقها. وهذه مسألة حكمية وهي أن النبي عليه ( الصلاة و ) السلام وسائر الأنبياء في أول النبوة يشتد عليها برحاء الوحي ثم يستأنسون به فينزل عليهم وهم متحدِّثون مع أصحابهم لا يمنعهم من ذلك مانع، ففي أول الأمر أحل الله من وقع في قلبه تفريغاً لقلبه، وتوسعاً لصدره لئلا يكون مشغول القلب بغير الله، ثم لما استأنس بالوحي نسخ ذلك إما لقوله عليه ( الصلاة و ) السلام الجمع بين الأمرين، وإما لأنه بدوام الإنزال لم يبق له مألوفٌ من أمور الدنيا فلم يبق له التفات إلى غير الله فلم يبق له حاجة إلى إخلاء المتزوّج بمن وقع بصره عليه.