﴿ واتخذوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [ البقرة : ١٢٥ ]، وقلت يا رسول الله : إنه يدخل عليك البرُّ الفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحِجاب فأنزل الله آية الحجاب قال : بلغني ما آذين رسول الله - ﷺ - نساؤه قال : فدخلت عليهن فجعلت استقربهن واحدة واحدة قلت : والله لَتَنْتَبِهْنَ أوْ لَيُبَدِّلنَّه الله أزواجاً خَيْراً منْكُنَّ حت أتيت على زينب فقالت : يا عُمَرُ : ما كان في رسول الله - ﷺ - ما يعظ نساءه حتى تَعِظَهُنَّ أنت قال : فخرجت فأنزل الله :﴿ عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ ﴾ [ التحريم : ٥ ] الآية
قوله :﴿ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ فيه أوجه :
أحدها : أنها في موضع نصب على الحال تقديره إِلاَّ مَصْحُوبِينَ بالإِذن.
الثاني : أنها على إسقاط باء السبب تقديره :« إلا بِسبِب الإذن لكم » كقوله « فَأَخْرَجَ بِهِ » أي بسببه.
الثالث : أنه منصوب على الظرف قال الزمشخري :﴿ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ ﴾ في معنى الظرف تقديره : إلا وقت أن يؤذن لكم و « غَيْرَ نَاظِرينَ » حال من « لاَ تَدْخُلُوا » وقع الاسثناء على الحال والوقت معاً كأنه قيل : لا تدخلوا بيوت النبي إلا وَقْتَ الإذْنِ ولا تدخلوا إلاَّ غَيْرَ ناظرين إناه، ورد أبو حيان الأول بأن النحاة نصوا على أن « أنْ » المصدرية لا تقع مَوْقِعَ الظرف، لا يجوز :« آتِيكَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ » وإن جاز ذلك في المصدر الصريح نحو :« آتِيكَ صِيَاحَ الدِّيكَ »، ورد الثاني بأنه لا يقع بعد « إلا » في الاستثناء إلا المستثنى أو المستثنى منه أو صفته ولا يجوز فيما عَدَا هذا عند الجمهور، وأجاز ذلك الكسائي والأخفش أجازا « مَا قَامَ القوْمُ إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ ضَاحِكِينَ » و « إلَى طَعَام » متعلق ب « يُؤْذَن » لأنه بمعنى إلاَّ أنْ يَدْعُوا إلى طعام، وقرأ العامة غَيْرَ ناظرين - بالنصب على الحال - كا تقدم، فعند الزمخشري ومن تابعه العامل فيه « يُؤْذَنَ » وعند غيرهم العامل فيه مقدر تقديره ادخلوا غير ناظرين، وقرأ ابن أبي عبلة « غَيْرِ » بالجر صفة لطعام واستضعفها الناس من أجل عدم بروز الضمي لجَرَيَانه على غير مَنْ هو له فكان من حقه أن يقال : غَيْرَ ناظرين إناه أنتم، وهذا رأي البصريين، والكوفيونَ يجيزون ذلك إن لم يُلْبِسْ كهذه الآية، وقد تقدمت هذه المسألة وفروعها وما قيل فيها، وهل هذا مختص بالاسم أو يجري في الفعل خلاف مشهور قلّ من يَضْبِطُهُ.
قوله :« إِنَاهُ » قرأ العامة « إِنَاهُ » مفرداً أي نضجه، يُقَالُ : أنَى الطَّعامُ إنّى، نحوُ : قَلاَهُ قلّى، أي غير منتظرين إِدْرَاكَهُ وَوَقْتَ نُضْجِه ويقال : أنَى الحميمُ إذا انتهى حُرُّهُ، وأنَى أَنْ يَفْعَلَ كَذَا أي حان إِنَى بكسر الهمزة مقصورةً؛ وقرأ الأعمش « آناءه » جمعاً على أفْعَالٍ، فأبدلت الهمزة الثانية ألفاً والياء همزة لتطرفها بعد ألف زائدة فصار في اللفظ « كآناء » من قوله :« وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ » وإن كان المعنى مختلفاً، قال البَغَويُّ : إذا فتحت الهمزة مَدَدْتَ فقلت : الآناء وفيه لغتان أَنَى يأْنِي، وآنَ يَئِينُ مثل : حَانَ يَحِين.


الصفحة التالية
Icon