. فِي العذاب } في مقابلة قولهم :﴿ أفترى عَلَى الله كَذِباً ﴾.
وقوله :« فِي الضِّلال البَعِيد » عن الحق في الدنيا، وهذا في مقابلة قولهم :« بِهِ جِنَّة » وكلاهما مناسب اما العذاب فلأن نسبة المكذب إلى الصادق مؤذٍ، لأنه شهادة عليه بأنه يستحق العذاب فجعل العذاب عليهم حيث نسبوا العذاب إلى البرئ وأما المجنون فلأن نسبة الجنون إلى العاقل دونه في الإيذاء فإنه لا يشهد عليه بأنه يعذب وإنما ينسبه إلى عدم الهداية فبين أنَّهُم هم الضالون، ثم وصل ضلالهم بالبعد لأن من يسمي المهتديَ ضَالاً يكون أضلّ، والنبي عليه ( الصلاة و ) السلام ( كان ) هادي كل مهتد.
قوله :« أفَلَمْ » فيه الرأيان المشهوران، قدّره الزمخشري أَعَمَوْا فَلَمْ يَرَوْا، وغيره يدِّعِي أن الهمزة مقدم على حرف العطف.
قوله :« مِنَ السَّمَاءِ » بيان للموصول، فيتعلق بمحذوف، ويجوز أن يكون حالاً فيتعلق به أيضاً قيل :( و ) ثمَّ حال محذوفة تقديره : أفَلَمْ يَرَوْا إلَى كَذَا مَقْهُوراً تَحْتَ قُدْرَتِنَا، أو مُحِيطاً بِهِمْ فَيَعْلَمُوا أنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا فإنَّ أرضي وسمائي محيطةٌ بهم لا يخرجون من أقطارها وأنا القادرُ عليهم.
قوله :« إنْ نَشَأ » قرأ الأخَوانِ يَشَا يَخْسِفْ يُسْقِطْ بالياء في الثلاثة، والباقون بنون العظمة فيها، وهم واضِحَتَان، وأدغم الكسائي قال الفارسي : وذلك لا يجوز لأن الباء أضعف في الصوت من الفاء فلا يدغم فيها وإن كان الباء يدغم فيها نحو : اضْرِب فُلاَناً كما تدغم الباء في الميم كقولك : اضْرِب مالكاً وإن كانت الميم لا تدغم في الباء نحو : اضْمُمْ بكراً؛ لأن الباء انحطت عن الميم يفقد الغُنَّةِ، وقلا الزمخشري : وليست بالقوية، وهذا لا ينبغي لأنها تواترت.

فصل


لما ذكر الدليل بكونه عالم الغيب وكونه جازياً على السِّيئات والحسنات ذكر دليلاً آخر فيه التهديد والتوحيد فأما دليل التوحيد فذكره السماء والأرض فإنهما يدلان على الوحدانية كما تقدم مراراً ويدلان على الحشر والإعادة لأنهما يدلان على كمال القدرة بقوله تعالى :﴿ أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى ﴾ [ يس : ٨١ ] وأما التهديد فقوله :﴿ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السمآء ﴾ أي نجعل عين نافعهم ضارهم بالحق والكشف ثم قال :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ ﴾ أي : فيما يرون من السماء والأرض آية تدل على قدرتنا على البعث ﴿ لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيب ﴾ تائب راجع الله بقلبه. ثم إنه تعالى لما ذكر من ينيب من عباده ذكر منهم من أناب وأصاب ومن جملتهم دَاوُد كما قال تعالى عنه :﴿ فاستغفر رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ ﴾ [ ص : ٢٤ ].


الصفحة التالية
Icon