قَالُوا : فَلَمْ يَزَلْ بَيْتُ المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بخنتصَّر فخرَّب المدينة وهَدَمَها ونقَضَ المَسْجِد وأخذ ما كان في سقوفه وحِيطَانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر إلى دار مملكته من أرض العراق وبنى الشيطان لسليمان باليمن حصوناً كثيرة وعجيبة من الصخر.
قوله :﴿ وَتَماثِيلَ ﴾ وهي النقوش التي تكون في الأبنية. وقيل : صور من نُحَاس وصفر وشَبَهٍ وزُجَاج ورُخَام. قيل : كانوا يُصَوِّرون السِّباع والطيور. وقيل : كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد ليراها الناس فيزداودوا عبادة ولعلها كانت مباحة في شريعتهم كما أن عيسى كان يتخذ صُوراً من طينٍ فينفخ فيها فيكون طيراً.
قوله :﴿ وَجِفَانٍ كالجواب ﴾ الجِفَانُ القِصَاعُ، وقرأ ابن كثير بإثبات ياء « الجَوَابِ » وصلاً ووقفاً وأبو عمرو وورشٌ بإثباتها وصلاً وحذفها وقفاً. والباقون بحذفها في الحالين و « كَالْجَوَابِ » صفة « لِجفَانٍ » والجِفَانُ جمع جَفْنَة، والجَوَابِي جمعُ جَابيةٍ كَضاربة وضَوَارب والجابية الحَوْض العظيمُ سميت بذلك لأنه يُجْبي إليها الماءُ، أي يجمع وإسناد الفعل إليها مجاز لأنه يُجْبَى فيها كما قيل : خَابِيَة، لما يُخبَّأُ فيها قال الشاعر :

٤١١٥- بِجِفَانٍ تَعْتَرِي نَادِيَنَا مِنْ سَدِيفٍ حِينَ هَاجَ الصِّنَّبِرْ
كَالْجَوابِي لاَ تَنِي مُتْرَعَةً لِقِرَى الأضْيَافِ أوْ لِلمُحْتَضرْ
وقال الأعشى :
٤١١٦- نَفَى الذَّمَّ عَنْ آلِ المُحَلِّقِ جَفْنَةٌ كَجَابِيةِ الشَّيْخِ العِرَاقيِّ تَفْهَقُ
وقال الأفوه :
٤١١٧- وَقُدُورِ كَالرُّبَا رَاسِيَة وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِي مُتْرَعَه
قيل : كان يقعد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها.

فصل


وقُدُورٍ راسِيَات ثابتات لها قوائم لا يحرِّكْنَ عن أماكنها ولا يبدلن ولا يعطلن وكان يصعد إلهيا بالسلاليم وكانت باليمن.
قوله :﴿ اعملوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ﴾ في « شكراً » أوجه :
أحدهما : أنه مفعول به أي اعملُوا الطَّاعَةَ سميت الصلاة ونحوها شكراً لسدِّها مَسَدَّهُ.
الثاني : أنه مصدر من معنى « اعْمَلُوا » كأنه قي : اشْكُرُوا شكراً بعَمَلِكُمْ أو اعملوا عَمَلَ شُكْر.
الثالث : أنه مفعول من أجله أي لأجل الشكر كقولك : جِئْتَكَ طَمَعاً، وعبدت الله رجاء غُفْرَانه.
الرابع : أنه مصدر موقع الحال أي شَاكِرينَ.
الخامس : أنه منصوب بفعل مقدر من لفظه تقديره واشْكُرُوا شُكْراً.
السَّادس : أنه صفة لمصدر اعملوا تقديره اعلمُوا عملاً شكراً أي ذَا شُكْرٍ قال المفسرون : معناه اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكراً له على نعمة، والعم أن كما قال عقيب قوله ( تعالى ) ﴿ َنِ اعمل سَابِغَاتٍ ﴾ ﴿ واعملوا صَالِحاً ﴾ قال عقيبَ ما تعمله الجن له اعملا آل داود شكراً إشارة إلى ما تقدم من أنه لا ينبغي أن يجعل الإنسان نفسه مستفرقةً في هذه الأشياء، وإنما يجب الإكثار من العمل الصالح الذي يكون شُكْراً.


الصفحة التالية
Icon