قوله :« دَابَّةُ الأرض » فيه وجهان :
أظهرهما : أن الأرض هذه المعروفة والمراد بدابة الأرض الأَرَضة دُوَيبَّة تأكل الخَشَب.
والثاني : أن الأرض مصدر لقولك أَرَضَيتِ الدابَّة الخَشَبَة تَأرِضُهَا أَرْضاً أي أكلتها فكأنه قيل : دابة الأكل يقال : أرَضَت الدَّابَّةُ الخَشَبَة تَأرُضُها أَرْضاً فأرِضَتْ بالكسر تَأْرَضُ هي بالفتح أيضاً وأكَلت الفَوَازجُ الأسْنَانَ تَأكُلُها أكْلاً فَأَكِلَتْ هي بالكسر تَأكَلُ أكَلاً بالفتح.
ونحوه أيضاً : جِدِعَتْ أَنْفُهُ جَدَعاً فجُدِعَ هو جَدَعاً بفتح عين المصدر، وقرأ ابن عباس والعباس بن الفضل بفتح الراء وهي مقوية المصدرية في القرءاة المشهورة وقيل : الأَرَضُ بالفتح ليس مصدراً بل هو جمع أرَضَةٍ وهذا يكون من باب إضافة العام إلى الخاص لأن الدابة أعم من الأرضة وغيرها من الدوّابِّ.
قوله :﴿ فَلَمَّا خَرَّ ﴾ أي سقط الظاهر أن فاعله ضمير سليمان عليه - الصلاة و ) السلام، وقيل : عائد على الباب لأن الدابة أكلته فوقع وقيل : بل أكلت عبتة الباب وهي الخارّة وينبغي أن لا يصحَّ؛ إذ كان التركيب خرَّتْ بتاء التأنيث و : أبْقَلَ إبْقَالَها ضرورة، أو نادر تأويلها بمعنى العَوْد أندر منه.
قوله :﴿ تَبَيَّنَتِ ﴾ العامة على نيابته للفاعل مسنداً للجنِّ وفيه تأويلاتٌ.
أحدهما : أنه على حذ مضاف تقديره تَبَيَّنَ أمْرُ الجِنِّ أي ظَهَرَ وبَانَ و « تَبَيَّنَ » يأتي بمعنى « بَانَ » لازماً كقوله :

٤١٢٣- تَبَيَّنَ لِي أَنَّ القَمَاءَةَ ذِلَّةٌ وأَنَّ أَعِزَّاء الرِّجَالِ طِيَالُهَا
فلما حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وكان مما يجوز تأنيث فعله ألحقت علامة التأنيث ( به ).
وقوله « ﴿ أَن لَّوْ كَانُواْ ﴾ بتأويل المصدر مرفوعاً بدلاً من الجنِّ والمعنى ظهر كونُهم لو علموا الغيب ما لبثوا في العذاب أي ظَهَرَ جَهْلُهُمْ.
الثاني : أن تبين بمعنى بان وظهر أيضاً والجنِّ والمعنى ظهر كونُهم لو علموا الغيب ما لبثوا في العذاب أي ظَهَرَ جَهْلُهُمْ.
الثاني : أن تبين بمعنى بان وظهر أيضاً والجنّ فاعل. ولا حاجة إلى حذف مضاف و »
أَنْ لَوْ كَانُوا « بدل كما تقدم والمعنى ظهر الجن جهلهم للناس لأنهم كانوا يوهمون الناس بذلك كقولك : بَانَ زَيْدٌ جَهْلُهُ.
الثالث : أن تَبَيَّنَ هنا متعدِّ بمعنى أدْرَكَ وعَلم وحينئذ يكون المراد »
بِالجِنِّ « ضَعَفَتُهُمْ وبالضمير في » كانوا « كبارُهم ومَرَدَتُهُمْ و » أنْ لَّوْ كَانُوا « مفعول به، وذلك أن المردة ( و ) الرؤساء من الجن كانوا يوهمون ضعفاءهم أنهم يعلمون الغيب فلما خَرَّ سليمانُ مَيْتاً كما ادعوا ما مَكَثُوا في العذاب، ومن مجيء » تَبَيَّنَ متعدياً بمعنى أدْرَكَ قوله :
٤١٢٤- أفَاطِم إنِّي مَيِّتٌ فَتَبَيِّنِي وَلاَ تَجْزَعِي كُلُّ الأَنَامِ يَمُوتُ
وفي كتاب أبي جَعْفَر ما يقتضي أن بعضم قرأ :« الجنَّ » بالنصب وهي واضحة أي تبينت الإنسُ الجِنَّ، و « أن لو كانوا » بدل أيضاً من « الجن »، قال البغوي : قرا ابنُ مسعود وابنُ عباس تبينت الإنس أن لو كان الجنُّ يَعْلَمُونَ الغيب ما لبثوا في العذاب المهين أي علمت الإنسُ وأيقنت ذلك وقرأ ابنُ عباس ويعقوب تُبُيِّنَتِ الجِنُّ على البناء للمفعول وهي مؤيدة لما نقله النَّحَّاس وفي الآية قراءاتٌ كثيرةٌ أضْرَبْتُ علها لمخالفتها الشواذ وأن « في » أن لو « الظاهر أنها مصدرية مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن و » لو « فاصلة بينهما وبين خبرها الفعليّ وتقدم تحقيق ذَلك كقوله :


الصفحة التالية
Icon