( قوله ) تعالى :﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَة ﴾ قرأ حمزة وحفص مَسْكَنِهِمْ بفتح الكاف مفرداً، والكسائي كذلك إلا أنه كسر الكاف والباقون مَسَاكِنِهِمْ جمعاً فأما الإفراد فلعدم اللبس لأن المراد الجمع كقوله :
٤١٢٥- كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِفُّوا | ........................ |
و « مسكنهم » يحتمل أن يراد به المكان، وأن يراد به المصدر أي السُّكْنَى، ورجح بعضهم الثاني، قال : لأن المصدر يشمل الكل، فليس فيه وَضْعُ مفرد مَوْضع جمع بخلاف الأول فإن فيه وَضْعَ المفرد مَوْضِعَ الجمع، كما تقرر، لكن سيبويه يأباه إلاَّ ضَرُورةً كقوله :
٤١٢٦-.............. | قَدْ عَضَّ أَعْنَاقَهُمْ جلدُ الجَوَامِيس |
فصل
لما بين حال الشاكرين لِنِعَمِهِ بذكر داود وسليمان وبيَّن حال الكافرين بأنْعُمهِ، بحكاية أهل « سبأ » وقرئ سَبَأ بالفتح على أنه اسم بُقْعَة، وبالجر مع التنوين على أنه اسم قبيلة، وهو الأظهر لأن الله جعل الآية لسبأ والظاهر هو العاقل لا المكان فلا يحتاج إلى إضمار الأهل، وقوله « آية » أي من فضل ربهم دلالةً على وحدانيتنا وقدرتنا وكانت مساكنهم بمأرب من اليمن واسم سَبَأ عبد شمس بن يشجُب بن يَعْرُب بن قَحْطَان وسمي ( سبأ ) لأنه ول من سبأ من العرب.
قال السُّهَيْليّ : ويقال : إنه ول من تبرج، وذكر بعضهم أنه كان مسلماً وكان له شعر يشير فيه بوجود رسول الله - ﷺ - قال ( يعني سليمان ﷺ ) :
٤١٢٧- سَيَمْلكُ بَعْدنا ملكاً عَظِيماً | نَبِيُّ لاَ يرخِّصُ في الحَرَامِ |
وَيملِكُ بَعْدُ منهم مُلُوك | يدينون العباد بغير دامِ |
وَيملِكُ بعده منهم ملوك | يصيرُ الملك فينا باقتِسام |
وَيملك بَعْدَ قَحْطَانَ نَبِيُّ | نفى جنته خير الأنام |
يسمى أحمدَ يَا لَيْتَ أنّي | أُعَمَّر بعد مَبْعثَهِ بعَامِ |
فأعضُدُه وأحبُوه بنَصْرِي | بكُلّ مُدَجَّج وبِكُلِّ رَامِي |
مَتَى يَظْهَرْ فكُونوا ناصِرِيهِ | ومن يلقاه يُبْلِغْه سَلامِي |