قوله :﴿ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرِ ﴾ معطوفان على « أكل » لا على « خمط » لأن المخط لا أكل له، وقال مكي : لمَّا لَمْ يَجُز أن يكون الخمط نعتاً للأكل؛ لأن الخَمْطَ اسم شجر بعينه ولا بدلاً؛ لأنه ليس الأول ولا بعضه وكان الجنى والثمر من الشجر أضيف على تقدير « مِنْ » كَقولك :« هذَا ثَوْبُ خَزِّ ». ومن نون فيحتمل أوجهاً :
الأول : أنه جعل « خمطاً » وما بعده إما صفة « لأكُل » قال الزمخشري : أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل : ذَوَاتَىْ أُكُلٍ بشيع. قال أبو حيان : والوصف بالأسماء لا يَطَّرِدُ وإن كان قد جَاءَ منه شيءٌ نحو قولهم :« مَرَرْت بقَاعٍ عَرْفَج كُلّهٍ ».
الثاني : البدل من « أكل » قال أبو البقاء : وجُعِلَ خَمْطاً أُكُلاً لمجاورته إياه، وكونِهِ سبباطً له إلا أن الفارسيَّ ردَّ كونه بدلاً قال : لأنَّ الخَمْطَ ليس بالأكل نفسه، وقد تقدم جواب أبي البقاء، وقد أجاب بعضهم عنه وهو منتزع من كلام الزمخشري أي أنه على حذف مضاف تقديره ذواتي أكُلِ خمطٍ قال : والمحذوف هو الأول في الحقيقة.
الثالث : أنه عطف بيان وجعله أبو عليِّ أحسن ما في الباب، قال : كأنه بين أن الأكل هذه الشجرة، إلا أن عطف البيان لا يُجيزُه البصريون في النَّكرات إنما يَخصُّونَه بالمعارف والأثْلُ هو الطَّرْفَاءُ. قويل : شجر يشبه الطرفاء وقيل : نوع من الطرفاء ولا يكون على ثمرة إلا في بعض الأوقات يكون عليه شيء كالعَفْص أصغر منه في طعمه وطبعه، والسِّدْرُ شجر معروف وهو شجر النَّبْقِ يُنْتَفَعُ به ولا يصلح ورقه لشيءٍ، وقال بعضهم : السِّدْرُ سِدْرَانِ سِدْرٌ له ثمرة عَفءصَة لا يؤكل ولا ينتفع بورقه. والمراد بالآية الأوّل. وقال قتادة : كان شَجَرُهُمْ خيرَ الشَّجَر فصيره الله من شر الشَّجر بأعمالهم.
قوله :« قَلِيل » نعت ل « سدر » وقيل : نعت « لأُكُل » وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون نعتاً « لخمط » و « أَثْل » و « سِدْرٍ » وقرئ « وَأَثْلاً وشَيْئاً » بنصبهما عطفاً على « جنَّتَيْنِ » ثم بين ( الله ) تعالى أن ذلك ( كان ) مجازاة لهم على كفرانِهم فقالك ﴿ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نجزيا ﴾ بذلك الجزاء « إلاَّ الكَفُور ».
قوله :﴿ وَهَلْ نجزيا ﴾ قرأ الأَخَوَانِ وحفصٌ نُجَازِي بنون العظمة وكسر الزاي لقوله :« جَزَيْنَاهُمْ » أي ( نحن ) ( وهل نُجَازِي هَذَا الجَزَاءَ ) إلا الكفور مفعول به والباقون بضم الياء وفتح الزاي مبنياً للمفعول إلا الكفور رفع على ما لم يسم فاعله ومسلم بن جُنْدُب « يُجْزَى » للمفعول إلاَّ الكَفُور رفعاً على ما تقدم وقرئ « يَجْزِي » مبنياً للفاعل وهو اللَّهُ تَعَالى « الكَفُورَ » نصباً على المفعول به.