قوله :﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّه ﴾ قرأ الكوفيون صَدَّقَ بتشديد الدال والباقون بتخفيفها، فأما الأولى « فظَنَّهُ » مفعول به والمعنى أن طنَّ إبليس ذهب إلى شيء فوافق فصدق هو ظنه على المجاز والاتساع ومثله : كَذَّبْتُ ظَنِّي ونَفْسي وصَدَّقْتُهُمَا وصدَّقَانِي وَكذَّبانِي وهو مجاز شائع سائغ أي ظن شيئاً فوقع وأصله من قوله :﴿ ولأضلنهم ﴾ [ النساء : ١١٩ ] وقوله :﴿ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ ص : ٨٢ ] ﴿ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [ الأعراف : ١٧ ] فصدق ظنه وحققه بفعله ذلك بهم واتباعهم إياه. وأما الثانية : فانصب « ظنه » على ما تقدم من المفعول به كقولهم « أصَبْتُ ظَنِّي، وأَخْطَأت ظَنِّي » أو على المصدر بفعل مقدر أي « يَظُنُّ ظَنَّهُ » أو على إسقاط ( الخافض أي ) في ظَنَّه، وزيد بن علي والزُّهْريُّ بنصب « إبليسَ » ورفع « ظَنُّهُ » كقول الشاعر :

٤١٣٠- فَإنْ يَكُ ظَنِّي صَادِقاً فَهْوَ صَادق ..........................
جعل « ظنه » صادقاً فيما ظنه مجازاً واتساعاً، وروي عن أبي عمرو برفعهما وهي واضحة جعل « ظنه » بدل اشتمال من إبليس والظاهر أن الضمير في « عليهم » عائد على أهْلِ سَبَأَ و « إلاَّ فَريقاً » استثناء من فاعل « اتَّبَعُوه » « ومِنَ المُؤمِنِينَ » صفة « فَريقاً » و « مِنْ » للبَيَان لا للتبعيض لئلا يَفْسد المعنى؛ إذا يلزم أن يكون بعض من آمن اتبع إبْليسَ.

فصل


قال المفسرون : صدق عَلَيْهم أي على أهل سبأ. وقال مجاهد : على الناس كلهم إلا من أطاع الله فاتَّبعوه إلاَّ فريقاً من المؤمنين قال السدي عن ابن عباس يعني المؤمنين كلهم لأن المؤمنين لم يتبعوه في أصل الدين وقد قال تعالى :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ [ الحجر : ٤٢ ] يعني المؤمنين وقيل : هو خالص في المؤمنين الذين يطيعون الله ولا يَعْصُونه. وقال ابن قتيبة : إن إبليس سأل النظرة فأنَظَرَهُ الله قال : لأغويَنَّهُمْ وَلأضِلَّنَّهُمْ لم يكن مستيقناً وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم وإنما قال ظناً فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم.
قوله :﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ هذا استثناء مفرغ من العلل العامة تقديره : وما كان له عليهم ( من سلطان ) استيلاء لشيء من الأشياء إلا لهذا وهو تمييز المُحَقِّ من الشَّاكِّ.
قوله :« مِنْهَا » متعلق بمحذوف على معنى البيان أي أعني منها وبِسَبَبِها وقيل :« من » بمعنى « في » وقيل : هو حال من « شَكَّ » وقوله :« مَنْ يُؤْمِنُ » يجوز في « من » وجهان :
أحدهما : أنها استفهامية فتسُدّ مسدَّ معفولي العلم كذا ذكر أبو البقاء وليس بظاهر؛ لأن المعنى إلا لنُمَيِّزَ ويظهر للناس من يؤمن ممن لا يؤمن فعثر عن مقابله بقوله ﴿ مِمَّنْ مِنْهَا فِي شَكِّ ﴾ لأنه من نتائجه ولوازمه.


الصفحة التالية
Icon