فصل
اختلفوا في الموصوفين بهذه الصفة فقيل : هم الملائكة، ثم اختلفوا في ذلك السبب فقال بعضهم إنَّما يفزع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله - عزّ وجلّ - لِمَا روى أبو هريرة أن نبي الله - ﷺ - قال « إذَا قَضَى اللَّهُ الأمر فِي السَّمَاءِ ضَرَبت المَلاَئِكَةُ بأجْنِحَتِهَا خُضْعَاناً » لِقَوْلِهِ كأنه سلسلة على صَفْوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق هو العلي الكبير وقال - عليه ( الصلاة و ) السلام- :« خَوْفاً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإذَا سَمِعَ بِذَلِكَ أهْلُ السَّمَواتِ ضَعُفُوا وخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّداً فيكُونُ أَوّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأسَهُ جبريل فُيَكلِّمهُ مِنْ وَحِيْهِ بَمَا أَرَادَ ثُمَّ يَمُرُّ جِبْريلُ عَلَى المَلاَئِكَةِ كُلَّمَا مَرَّ بسَماءٍ سَأَلَهُ مَلاَئِكَتُهَا ماذَا قَال رَبُّنَا يَا جبريلُ؟ فيقُول جِبْريلُ الحقّ وهُو العَليُّ الكبيرُ قال : فيَقُولُون كُلُّهُمْ مثْلَ مَا قَالَ جبْريل. فَيَنْتَهِي جِبْريلُ بالوحي حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ » وقيل : إنما يفزعون حذراً من قيام الساعة. قال مقاتل والسدي : كانت الفترة بين عيسى ومحمد - عليهما ( الصلاة و ) السلام - خمسمائة سنة. وقيل : سمتائة سنة لم تسمع الملائكة فيها وحياً فلما بعث الله محمداً - ﷺ - كلَّم جبريل - عليه ( الصلاة و ) السلام - بالرسالة إلى محمد - ﷺ - فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة فصعقوا مما سمعوا خوفاً من قيام الساعة فلما انْحدَرَ جبريلُ جعل يمُرُّ بأهل كل سماء فيكشف عنهم فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض : ماذا قال ربُّكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير وقيل : الموصوف بذلك المشركون. قال الحسن وابن زيد : حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت إقامةً للحجة عليهم قالت لهم الملائكة : ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير فأقروا به حين لم ينفعهم الإقرار.
قوله :« وهو العلي الكبير » فقوله :« الحق » إشارة إلى أنه كامل وقوله :« وهو العلي الكبير » إشارة إلى أنه فوق الكاملين في ذاته وصفاته.