الثالث : أن كافة صفة لمصدر محذوف تقديره : إلا إرْسَالَةً كَافَّةً قال الزمخشري : إلاَّ إرْسَالَة عامَّةً لهم محيط بهم لأنهم إذا شَمِلتْهُمْ فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم. قال أبو حيان : أما كافة بمعنى عامة فالمنقول عن النحويين أنها لا تكون إلا حالاً ولم يتصرف فيها بغير ذلك فجعلها صفة لمصدر محذوف خروج عما نقلوا، ولا يحفظ أيضاً استعمالها صفةً لموصوفٍ محذوفٍ.
الرابع : أن « كافة » حال من « لِلنَّاس » أي للناس كافةً إلا أنّ هذا قدره الزمخشري فقال :« وَمَنْ جعله حالاً من المجرور متقدماً عليه فقد أخطأ لأن تقدم حال المجرور عليه في الإحالة بمنزلة تقدم المجرور على الجار وكم ترى من يرتكب مثل هذا الخطأ ثم لا يَقْتَنَعُ به حتى يضُمَّ إليه أن يجعل اللام بمعنى » إلَى « ؛ لأنه لا يستوي له الخطأ الأول إلا بالخطأ الثاني فيرتكب الخطأين معاً ». قال أبو حيان : أما قوله كذا فهو مختلف في ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز، وذهب أبو علي وابن كَيْسَانَ وابن بَرْهَانَ وابن مَلْكُون إلى جَوَازِهِ قال : وهو الصحيح قال : ومن أمثله أبي علي :« زيدٌ خَيْراً مَا يكونُ خَيْرٌ مِنْكَ » التقدير : زيد خير منك خَيْراً ما يكون فجعل « خَيْراً ما يَكُونُ » حالاً من الكاف في « منك » وقدمها عليها وأنشد :

٤١٣٤- إذَا الْمَرْءُ أَعَيَتْهُ المُرُوءَةُ نَاشِئاً فَمَطْلَبُها كَهْلاً عَلَيْهِ شَدِيدُ
أي فمطلبها عليه كهلاً، وأنشد أيضاً :
٤١٣٥- تَسَلَّيْتُ طُراً عَنْكُمُ بُعْدَ بَيْنِكُمْ بِذِكْرَاكُمْ حَتَّى كَأنَّكُمْ عِنْدِي
أي عَنْكُمْ طُرًّا، وقد جاء تقديم الحال على صاحبها المجرور على ما يتعلق به قال الشاعر :
٤١٣٦- مَشْغُوفَةً بِكَ قَدْ شُغِفْتُ وإنَّمَا حُمَّ الفِرَاقُ فَمَا إلَيْكَ سَبِيلُ
أي قد شغفت بكل مشغوفة وقال الآخر :
٤١٣٧- غَافِلاً تَعْرِضُ المِنَيَّةُ لِلْمَرْءِ فَيُدْعَى وَلاتَ حِينَ إباءِ
أي تَعْرِضُ المنيةُ للمرء غافلاً قال : وإذا جاز تقديمها على صاحبها وعلى العامل فيه فتقديمها على صاحبها وحده أجْوَز قال : وممن حمله على الحال ابن عطية فإن قال : قدمت للاهتمام والمنقول عن ابن عباس قوله إلى العرب وللعجم ولسائر الأمم وتقديره إلى الناس كافةً وقول الزمخشري : لا يستوي له الخطأ الأول إلى آخره شنيغ لأن القائل بذلك لا يحتاج إلى جعل اللام بمعنى « إلى » لأن « أَرْسَلَ » يتعدى باللام قال تعالى :﴿ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً ﴾ [ النساء : ٧٩ ] وأرسل مما يتعدى باللام وبإلى وأيضاً فقد جاءت اللام بمعنى « إلَى » و « إلَى » بمعناها.
قال شهاب الدين : أما أرسلناك للناس فلا دلالة فيه لاحتمال أن تكون اللام لام المجازيَّة وأما كونها بمعنى « إلى » والعكس فالبصريونَ لا يَتَجَوَّزُونَ في الحروف، و « بَشِيراً » و « نَذِيراً » حالان أيضاً.


الصفحة التالية
Icon