ثم أجابهم المستكبرون وهم المَتْبُوعُونَ في الكفر للذين استضعفوا رد لما قالوا إن كفرنا كان لمانع ﴿ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الهدى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ ﴾ يعني المانع ينبغي أن يكون راجحاً على المقتضي حتى يعمل علمه والذي جاء به هو الهدى، والذي صدر من المستكبرين لم يكن شيئاً يوجب الامتناع من قبول ما جاء به فلم يصحَّ تَعَلُّقُكُمْ بالمانع ﴿ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ ﴾ بترك الإيمان فبين أن كفرهم كان اجتراماً من حيث إن المعذور لا يكون معذوراً إلا لعدم المقتضي أو ليقام المانع ولم يوجد شيء منهما. ثم قال ﴿ وَقَالَ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا بَلْ مَكْرُ الليل والنهار إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بالله ﴾ لما قال المستكبرون : إنا صددنا، وما صدر منا ما يصلح مانعاً وصادفاً اعترف المستضعفون به وقالوا بل مكر الليل والنهار أي مكركم في الليل والنهار. واعمل أنه يجوز رفع « مكر » من ثلاث أوجه :
أحدها : الفاعلية تقديره : بل صَدَّنَا مَكْرُكُمْ في هذهين الوقتين.
الثاني : أن يكون مبتدأ محذوف أي مكرُ الليلِ صَدَّنَا.
الثالث : العكس أي سَبَبُ كُفْرِنا مَكْرُكُمْ. وهو المتقدم في التفسير وإضافةُ المَكْر إلى الليل والنهار إما على الإسناد المجازي كقولهم : لَيْلٌ مَاكِر، فالعرب تضيف الفعل إلى الليل والنهار كقول الشاعر :
٤١٤٠ -........................ | وَنِمْتِ وَمَا لَيْلُ المَطِيِّ بِنَائِمِ |
أظهرها : ما قاله الزمخشري وهو الانتصاب على المصدر قال :« بل تَكُرُّون الإغواء مَكَرًّا دائماً لا تَفْتُرُونَ عنه ».
الثاني : النصب على الظرف بإضمار فعل اي بلْ صَدَدْتُمُونَا مَكَرَّ الليل والنهار أي دائماً.
الثالث : أنه منصوب « بتأمُرُونَنَا » قاله أبو الفضل الرازي وهو غلط؛ لأن ما بعد المضاف لا يعمل فيما قبله إلا في مسألة وهي « غير » إذَا كانت بمعنى « لا » كقوله :