قوله :﴿ فأولئك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف ﴾ قال الفراء : هو في موضع رفع تقديره ما هو المقرب إلاَّ مَنْ آمَن، وهذا ليس بجيد وعجيب من الفراء كيف يقوله. قوله :« فَأولَئِكَ لَهُمَ جَزَاء الضّعْفِ »، قرأ العامة جزاء الضعف مضافاً على أنه مصدر مضاف لمفعلوله، أي أنْ يُجَازِيَهُم الضّعْفَ وقدره الزمخشري مبنياً للمفعول أي يُجْزَوْنَ الضّعفَ ورده أبو حيان بأن الصحيح منعه. وقرأ قتادة برفعها على إبدال الضّعفِ من « جزاء » وعنه أيضاً وعن يعقوب بنصب جزاء على الحال منوناً والعامل فيها الاستقرار وهذه كقوله :﴿ فَلَهُ جَزَآءً الحسنى ﴾ [ الكهف : ٨٨ ] فيمن قرأه بالنصب نصب جزاء في الكهف.
قوله :﴿ وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ ﴾ قرأ حمزة الغُرْفَةِ بالتوحيد على إرادة الجنس ولعدم اللبس لأنه معلوم أن لكل أحد غرفة تخصه وقد أُجْمِعَ على التوحيد في قوله :﴿ يُجْزَوْنَ الغرفة ﴾ [ الفرقان : ٧٥ ] ولأن لفظ الواحد أخف فوضع موضع الجمع مع أمن اللبس والباقون « الغُرُفَاتِ » جمع سلامة وقد أُجْمِعَ على الجمع في قوله :﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الجنة غُرَفَاً ﴾ [ العنكبوت : ٥٨ ] والرسم محتمل للقراءتين. وقرأ الحسن بضم راد غُرُفات على الإتباع وبعضهم يفتحها وتقدم تحقيق ذلك أول البقرة وقرأ ابن وثاب الغُرُفَةَ بضم الراء والتوحيد.
فصل
والمعنى يضعف الله حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشرة إلى سبع مائة لأنه الضعف لا يكون إلا في الحسنة وفي السيئة لا يكون إلا المثل ثم زاد وقال :﴿ وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُون ﴾ إشارة إلى دوامها وتأبيدها. ثم بين حال المسيء فقال :﴿ والذين يَسْعَوْنَ في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ﴾ أي سعون في إبطال حججنا معاجزين معاندين يحسبون أنهم يعجزوننا ويفوتوننا. وقد تقدم تفسير :« أولئك في العذاب محضرون » وهذا إشارة إلى الدوام أيضاً كقوله :﴿ وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ ﴾ [ الإنقطار : ١٦ ] ثم قال مرة أخرى :﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِر ﴾ إشارة إلى أن نعيم الآخرة لا ينفافي نعمة الدنيا بل الصالحون قد يحصل لهم في الدنيا النعم في القطع بحصلو النعم في العُقْبَى ببناء على الوعد قطعاً لقول من يقول : إذا كانت العاجلة والآجلة لهم فالنقد أولى فقال هذا النقد غير مختص بكم فإن كثيراً من الأشقياء مدفوعون وكثيراً من الأتقياء مَمْنُوعُونَ، ولهذا المعنى ذكر هذا الكلام مرتين مرة لبيان أن كثرة أموالهم وأولادهم غير دالةٍ على حسن أحوالهم ومرة لبيان أنه غير مختص بهم كأنه قال وجود القرب لا يدل على الشرف ثم إنْ سَلَّمنا أنه كذلك لكن المؤمنون سيحصل لهم ذلك فإن الله يملكهم دياركم وأموالكم ويدل على ذلك أن الله تعالى لم يذكر أولاً لمن يشاء من عباده بل قال : لمن يشاء. وقال ثانياً : لمن يشاء من عبادة فالكافر أثره مقطوع وماله إلى زوال وماله إلى الهواء وأما المؤمن فما يُنْفِقْه يُخْلِفْه الله.