والمعنى يقرأونها وقوله :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ ﴾ أي إلى هؤلاء المحاضرين لك لم ترسل إليهم أي لم يأت العرب قبْلك نبي ولا نزل عليهم كتاب ولا أتاهم نذير يشافههم بالنّذارة غيرك، فلا تعارض بينه وبين قوله :﴿ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [ فاطر : ٢٤ ] إذ المراد هناك آثار النذير. ولا شك أن هذا كان موجوداً يذهب النبي وتبقى شريعته، ثم بين أنهم كالذين من قبلهم كَذّبوا مثلَ عادٍ وثمودٍ وغيرهم.
قوله :﴿ وَمَا بَلَغُوا ﴾ الظاهر أن الضمير في « بلغوا » وفي « آتيناهم » للَّذِين من قبله ليناسق قوله :﴿ فَكَذَّبُوا رُسُلِي ﴾ يعني أنهم لم يبلغوا في شكر النعمة وجزاء المِنّة « مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ » من النعم والإحسان إليهم. وقيل : بل ضمير الرفع لقريش والنصب « للذين من قبلهم » وهو قول ابن عباس على معنى أنهم كانوا أموالاً، وقيل : بالعكس على معنى إنا أعطيْنَا قريشاً من الآيات والبراهين ما لم نُعْطِ من قبلهم. واختلق في المشعار فقيل : هو بمعنى العُشْر بني مِفْعَال من لفظ العُشْر كالمِرْبَاع، ولا ثالث لهما من ألفاظ العدد لا يقال : مِسْدَاس ولا مِخْمَاس، وقيل : هو عُشْرُ العُشْرِ، إلا أن ابن عطية أنكره وقال : ليس بشيء وقال المَاوَرْدِيُّ : المعشار هنا عُشْر العَشِيرِ، والعَشِيرُ هو عُشْرُ العُشْرِ.
فيكون جزءاً من ألف قال : وهو الأظهر لأن المراد به المبالغة في التقليل.

فصل


المعنى أن هؤلاء المشركين ما بلغوا مِعْشَارَ ما أعطينا الأمم الخالية من النِّعْمَة والقوة وطول العُمْرِ فكذبوا رسلي فكيف كان نكير؟ أي إنكاري وتغييري عليهم يحذر كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية وقي : المراد وكذَّب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم أي الذين من قبلهم ما بلغوا مِعْشَار ما آتينا قوم محمد من البَيَان والبُرْهان وذلك لأن كتاب محمد - عليه السلام- أكملُ من سائر الكتب وأوضح ومحمد - عليه السلام- أفضل من الكتب وبما آتاهم من الرسل أنكر عليهم فكيف لا ينكر عليهم وقد كذبوا بأفصح الرُّسل وأوضح السُّبُل ويؤيد هذا قوله تعالى :﴿ وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا ﴾ يعني غير القرآن ما آتيناهم كتاباً « وَمَا أَرْسَلْنَا إلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِير » فلما كان المؤتى في الآية الأولى هو الكتاب فحمل الآية الثانية على إيتاء الكتاب أولى.
قوله :« فكذبوا » فيه وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على « كَذِّبَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ ».
والثاني : أنه معطوف على « وما بلغوا » وأوْضَحَهُما الزمخشري فقال :« فإن قلت : ما معنى » فكذبوا رسلي « وهو مستغنى عنه بقوله :﴿ وَكَذَّبَ الَّذِين مِنْ قَبْلِهِم ﴾ ؟ قلتُ : لما كان معنى قوله :﴿ وَكَذَّبَ الِّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه جعل تكذيب الرسل سبباً عنه ونظيره أن يقول القائل : أقْدَمَ فلانٌ على الكفر فكفر بمحمد - ﷺ - ويجوز أن يعطف على قوله :﴿ وَمَا بَلَغُوا ﴾ كقولك : مَا بَلَغَ زَيْدٌ مِعْشَارَ فَضْلِ عمرو فَيُضِّلَ عليه » و « نَكِيرِ » مضاف لفاعله أي إنْكاري وتقدم حذف يائه وإثْبَاتُها.


الصفحة التالية
Icon