وقوله :﴿ بَيْنَ يَدِيْ عَذَابِ شَدِيدٍ ﴾ إشارة إلى قرب العذاب كأنه قال بنذركم بعذاب حاضر يَمَسّكم عن قريبٍ.
قوله :﴿ قُلَ مَا سألتُكُمْ مِنْ أجْرٍ ﴾ في « ما » وجهان :
أحدهما : أنها شرطية فيكون مفعولاً مقدماً و « فهُوَ لَكُمْ » جوابها.
والثاني : أنها موصولة في محل رفع بالابتداء والعائدمحذوف أي سأَلْتُكُمُوهُ والخبر :« فَهُوَ لَكُمْ » ودخلت الفاء لشبه الموصول بالشرط والمعنى يحتمل أنه لم يسألهم أجراً البتة كقولك : إن أعْطَيْتَنِي شيئاً فخذه مع عملك أي لم يُعْطِكَ شيئاً وقول القائل : ما لي من هذا فقد وهبته لك يريد ليس لي فيه شيء. ويؤيده :﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله ﴾ ويحتمل أن سألهم شيئاً نفعُه عائدٌ عليهم وهو المراد بقوله :﴿ إِلاَّ المودة فِي القربى ﴾ [ الشورى : ٢٣ ] « إنْ أَجْرِيَ » ما ثوابي ﴿ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٍ ﴾.
قوله :﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بالحق ﴾ يجوز أن يكون « يَقْذِفُ بالْحَقِّ » مفعوله محذوفاً لأن القَذْفَ في الأصل الرمي وعبر عنه هنا عوضاً عن الإلقاء أي يلقي الوحي إلى أنبيائه « بالْحَقِّ » أي بسبب الحق أو ملتبساً بالحق. ويجوز أن يكون التقدير يَقْذِفُ الباطلَ بالحقِّ أي يدفعه ويطرحه، كقوله تعالى :﴿ بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل ﴾ [ الأنبياء : ١٨ ] ويجوز أن يكون الباء زائدة أي نُلْقِي الحَقِّ، كقوله :﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٥ ] أو تضمن « يقذف » معنى يقتضي ويحكم، والقذف الرمي بالسهم أو بالحَصَاةِ أو الكلام.
قال المفسرون : معناه نأتي بالحق بالوحي ننزله من السماء فنقذفه إلى الأنبياء قوله :﴿ عَلاَّمُ الغيوب ﴾ العامة على رفعه وفيه أوجه : أظهرها : أنه خبر ( ثانٍ ) ل « إنّ » أو خبر لمتبدأ مضمر أو بدل من الضمير في « يَقْذِفُ » أو نعت له على رأي الكسائي؛ لأنه يُجيزُ نعت الضمير الغائب. وقد صرح به هنا وقال الزمخشري : رفع على محل إنَّ واسْمِها، أو على محل إنَّ اسْمِها، أو على المستكِنِّ في « يَقذف » يعني بقوله محمول على محل إنَّ واسْمِهَا يعني به النعت إلا أن ذلك ليس مذهب البصريين لأنهم لم يعتبروا المحل إلا في العطف بالحرف بشروط عند بعضهم.


الصفحة التالية
Icon