قوله :﴿ ذَلِكُمُ الله رَبُّكُم ﴾ ذلكم مبتدأ و « الله » خبره و « ربكم » خبر ثانٍ أو نعت لله. وقال الزخشري : ويجوز في حكم الإعراب إيقاع اسمالله صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان و « ربكم » خبر لولا أن المعنى يأباه وردهُ أبو حيان بأن « اللَّهَ » علم لا جنس فلا يُوصَفُ به. ورد قوله إنّ المعنى يأباه قال : لأنه يكون قد أخبر عن المُشِار إليه بتلك الصفات أنه مَالِكُكُمْ ومُصْلِحُكُمْ.
فصل
المعنى ذلك الذي فعل هذه الأشياء من فَطْرِ السَّمَواتِ والأرض وإرْسَالِ الأرواح وخَلْقِ الإنسان من ترابٍ وغيرذلك له الملك كله فلا معبود إلا هو فإذا كان له الملك كله فله العبادة كلها. ثم بين ما ينافي صفة الإلهية فقال :﴿ والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ ﴾ يعني الأصنام ﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِير ﴾
قوله :﴿ والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ ﴾ العامة على الخطاب في « تَدْعُونَ » لقوله :« رَبُّكُمْ » وعيسى وسَلاَّم ويعقوبُ - وتُرْوَى عن أبي عمرو - بياء الغيبة إمَّا على الالتفات وإمَّا على الانتقال إلى الإخبار. والفرق بينهما أن يكون في الالتفات المراد بالضميرين واحداً بخلاف الثاني فإنهما غَيْرَانِ و « يَمْلِكُونَ » هو خبر الموصول و « مِنْ قِطْمِير » مفعول به؟ و « مِنْ » فيه مزيدة والقطمير المشهور فيه أنه لُفَافَهُ النَّواة. وهو مَثَلٌ في القِلَّةِ كقوله :
٤١٥٧- وَأبُوكَ يخْصِفُ نَعْلهُ مُتَوَرِّكاً | مَا يَمْلِكُ المِسْكِينُ مِنْ قِطْمِير |
قوله :﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ ﴾ يعني الأصنام « وَلَو سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ » وهذا إبضال لما كانوا يقولون : إن في عبادة الأصنام عزّة من حيث القرب منها والنظر إليها وعرض الحوائج عليها والله لا يرى ولا يصل إليه أحد فقلا مجيباً لهم : إن هؤلاء لا يسمعون كما تظنون فإنهم كانوا يقولون : إن الأصنام تسمع وتعلم ولكن لا يمكنهم أن يقولون بأنها تجيب لأن ذلك إنكار للمحسوس فقال :﴿ َلَوْ سَمِعُواْ ﴾ كما تظنون « مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ ».
قوله :﴿ وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾ أي يَتَبرءُون منكم ومن عبادتكم إيَّاها ويقولون « مَا كُنْتُم إيَّانا تَعْبُدُونَ » واعلم أنه لما بين عدم النفع فيهم في الدنيا بين عدم النفع فيهم في الآخرة ووجود الضرر منهم في القيامة بقوله :﴿ وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُم ﴾ أي بإشراككم بالله غيره وهذا مصدر مضاف لفاعله ثم قال :﴿ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ يعني نَفْسَهُ أي لا ينبئك أحدٌ مثل خبير عالم بالأشياء وهذا الخطاب يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون خطاباً للنبي - ﷺ - ووجه أن الله تعالى لما أخبر أن الخَشَبَ والحَجَرَ يوم القيامة ينطق ويكذب عابده وذلك ما لا يعلم بالعقل المجرد لولا إخْبَار الله تعالى عنه بقوله :« إنهم يكفرون بهم يوم القيامة » فهذا القول مع كون المُخْبَر عنه أمراً عجيباً قال إن المخبر عنهَ خبير.
والثاني : أن ذلك الخطاب غير مختص بأحد أي هذا الذي ذكر هو كما ذكر ولا يُنْبئُك أَيُّها السَّامِعُ كائناً من كنت مثْلَ خبير.