قوله :« إِنَّ أَنْكَرَ » قيل : أنكر مبنيٌّ من مبنيٍّ للمفعول نحو :« أشْغَلُ مشنْ ذَاتِ النّْيَيْنِ »، وهو مختلف فيه ووحد « صوت » لأنه يراد به الجنس ولإضافته لجمع، وقيل : يحتمل أن يكون « أنكر » من باب « أطوع له من بنانه » ومعناه أشدّ طاعةً. فإن « أفْعَلَ » لا يجيء ( في ) « مُفْعَل ولا في » مفْعُول « ولا في باب العيوب إلا ما شَذَّ كقولهم » أَطْوَعُ مِنْ كَذَا « للتفضيل على مُطِيع و » أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النِّحْيَيْن و « أحْمَقُ ( مِنْ فُلانُ » ) من باب العيوب، وعلى هذا فهو من باب « أفعل » كأَشْغَلَ في باب مَفْعُولٍ فيكون للتفضيل على المنكر. أو نقول هو من باب « أَشْغَل » مأخوذ من نُكِرَ الشيءُ فهو مَنْكُورٌ، وهذا أنْكَرُ مِنْه، وعلى هذا فله معنى لطيف وهو أن كل حيوان قد يفهم من صوته بأنه يصيح من ثِقَل أو تعب كالبَعير أو لغير ذلك والحمار لو مات تحت الحمل لا يصيح ولو قتل لا يصيح وفي بعض أوقات عدم الحاجة يصيح وينهقُ بصوتٍ مُنْكَر ( فيمكن ) أن يقال : هو من نكير كأَحَدَّ من حَدِيدٍ.
فإن قيل : كيف يفهم كونه أنكر الأصوات مع أن حزَّ المِنْشَار بالمبرد ودق النحاس بالحديد أشد صوتاً؟!
فالجواب من وجهين :
الأول : أن المراد أنكر أصوات الحيوانات صوتاً الحميرُ فلا يَردُ السؤال.
الثاني : أن الآمر بمصلحة وعبادة لا ينكر صوته بخلاف صوت ( الحمير ).
فصل
قال مقاتل : اخْفِضْ مِنْ صوتك ﴿ إِنَّ أَنكَرَ الأصوات ﴾ أقبح الأصوات ﴿ لَصَوْتُ الحمير ﴾ أوله زَفيرٌ، وآخره شهيقٌ وهما صوت ( أهل النار ) وقال موسى بن أعين سمعت سفيان الثوري يقول في قوله تعالى :﴿ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ﴾ قال صياح كل شيء تسبيح لله تعالى إلا الحمار وقال جعفر الصادق في قوله تعالى :﴿ إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير ﴾ قال : هي العطسة القبيحة المنكرة، قال وهب تكلم لقمان اثْنَي عشَرَ ألْف كلمةٍ من الحكمة أدخلها الناس في كلامهم ومن حكمه : قال خالد الريعي كان لقمان عبداً حبشياً فدفع ( له ) مولاه إليه شاة فقال اذبحها فأتِنِي بأطيبِ مُضْغَتَيْنِ مِنْها فأتاه باللِّسان والقَلْب فسأله مولاه فقال : ليس شيء أطْيَبَ منهما إذا طابا ولا أخبثَ منهام إذا خَبُثَا.