قوله :﴿ إِنَّ الذين يَتْلُونَ ﴾ في خبر « إن » وجهان :
أحدهما : الجملة من قوله :﴿ يَرْجُون ﴾ أي ( إنَّ ) التالِينَ يَرْجُونَ و « لَنْ تَبُورَ » صفة « تِجَارةً » و « لِيُوفِّيَهُمْ » متعلق « بِيَرْجُونَ » أوْ « بتَبُور » أو بمحذوف أي فَعَلُوا ذلك لِيَوفِّيَهم، وعلى الوجهين الأولين يجوز أن تكون لام العاقبة.
والثاني : أن الخبر « إنَّه غَفُورٌ شَكُورٌ » ( و ) جوزه الزمخشري على حذف العائد أي غفور لهم وعلى هذا « فَيرجُونَ » حال من « أنْفَقُوا » أي أنْفَقَوا ذلك راجينَ.

فصل


المراد بالذين يتلون كتابا لله أي قراء القرآن لما بين العلماء بالله وخشيتهم وكرامتهم بسبب خشيتهم ذكر العالمين بكتاب الله العاملين بما فيه فقوله :﴿ يَتْلُونَ كِتَابَ الله ﴾ إشارة إلى الذكر وقوله :﴿ وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ إشارة إلى العل البدنيّ وقوله :﴿ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ إشارة إلى العمل الماليّ. وفي الآية حكمة بالغة وهي قوله :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ ﴾ إشارة إلى عمل القلب. وقوله :﴿ الذين يَتْلُونَ ﴾ إشارة إلى عَمَل اللِّسِّانِ وقوله :﴿ وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ إشارة إلى علم الجوارح. ثم إن هذه الأشياء الثلاثة متعلقةٌ بجانب تعظيم الله وقوله :﴿ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً ﴾ يعني الشفقة على خلقه. وقوله :﴿ سِرّاً وَعَلاَنِيَة ﴾ حَثٌّ على الإنفاق كَيْفَما تهيأ فإن تهيأ سراً فذاك وإلاَّ فَعَلاَنِيَة ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء فإن ترك الخير مخافة ذلك هو عين الرياء ويمكن أن يكون المرار بالسِّرِّ الصدقة المطلقة وبالعلانية الزكاة فإن الإعلان بالزكاة كالإعلان بالفرض وهو مستحب. « يرْجُونَ تِجَارةً » هي ما وعد الله من الثواب لَنْ تَبُورَ « لن تفسدّ ولن تَهْلِكَ » لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورهم « جزاء أعمالهم بالثواب » وَيزِيَدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ « قال ابن عباس : يني سوى الثواب ما لم تَرَ عَيْنٌ ولم تسمعْ أذن. ويحتمل أن يزيدهم النظر إليه كما جاء في تفسير الزيادة » إنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ « قال ابن عباس : يغفر الذنب العظيم من ذنوبهم ويشكر اليَسَير من أعمالهم وقيل : غفور عند الإبطاء شكور عند إعطاء الزيادة.
قوله :﴿ والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب ﴾ يعني القرآن وقيل : اللَّوح المحفوظ لما بين الأصل ( الأول ) وهو وجود الله الواحد بالدلائل في قوله :﴿ الله الذي يُرْسِلُ الرياح ﴾ [ الروم : ٤٨ ] وقوله :﴿ واللَّهُ ( الذي ) خَلَقَكُمْ ﴾ وقوله :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً ﴾ ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة فقال :﴿ والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب هُوَ الحق ﴾.
قوله :﴿ مِنَ الكِتَابِ ﴾ يجوز أن تكون للبيان كما يقال :»
أَرْسَلَ إلَيَّ فُلاَنٌ مِنَ الثِّيَاب جُملَةً « وأن تكون للجنس وأن تكون لابتداء الغاية كما يقال :» جَاءَانِي كِتَابٌ مَنَ الأمير « وعلى هذا فاكتاب يمكن أن يراد به اللوح يعني الذي أوحينا إليك من اللوح المحفوظ إليك حق، ويمكن أن يراد به القرآن يعني الإرشاد والتبيين الذي أوحينا إليه من القرآن ويمكن أن تكون للتبعيض و » هُو « فصل أو مبتدأ و » مُصَدِّقاً « حال.


الصفحة التالية
Icon