وقرأ أبو عِمْرَان الجَوْنِي ويعقوبُ وأبو عمرو - في رواية - سَبَّاق مثال مبالغة.

فصل


قال ابن عباس : يريد بالعباد أمة محمد- ﷺ - ثم قسَّمهم ورتَّبهم فقال :﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات ﴾ وروى أسامةُ بن زيد في هذه الآية قال : قال رسول الله - ﷺ - كلهم من هذه الأمة وروى أبو عثمان النهدي قال : سمعت عمر بن الخطاب قرأ على المنبر « ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عنبادنا » الآية فقال : قال رسول الله - ﷺ - سَابِقُنَا سَابِقٌ وَمُقْتَصِدُنَا نَاجٍ وَظَالمنا مَغْفُورٌ لَهُ.
وروى أبو الدَّرْداء قال : سمعت رسول الله - ﷺ - قرأ هذه الآية « ثُمَّ أُوْرَثنا الْكِتَاب.... » الآية وقال « أما السابق بالخيرات فيدخُلُ الجنةَ بغير حساب وأما المقتصد فيُحاسَبُ حساباً يسيراً وأما الظالم لنفسه فيجلسُ في المَقام حتى يدخله اللهم ثم يَدْخل الجنة ثم قرأ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الِّذِي أذْهِبَ عَنَّا الْحَزَنَ إنَّ لَغَفُورٌ شكُورٌ.
وقال عقبة بن صهبان : سألت عائشة عن قول الله - عزّ وجلّ - : أورثنا الكتاب الذين اصطفينا الآية. فقالت : يا بُنّيِّ كلُّهم في الجنة أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله - ﷺ - شهد له رسولُ الله - ﷺ - بالخير وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحِقَ به وأما الظالم فمثلِي ومثلُكم. فجعلت نفسها معنا وقال مجاهد والحسن وقتادة : فمنهم ظالم لنفسه هم أصحاب المَشْأمة، ومنهم مقتصد أصحاب المَيْمنَة ومنهم سابق بالخيرات السابقون المقربون من الناس كلهم. وعن ابن عباس قال : السابقُ المؤمن المخلص والمقتصد المرائي والظالم الكافر نعمة الله غير الجاحد لها لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة. وقيل : الظالم هو الرَّاجِحُ السيئات والمقتصد هم الذي تساوت سَيِّئَاتُهُ وحسناتُهُ والسبق هو الذي رَجَحَتْ حسناته. وقيل : الظالم هو الذي ظاهره خير من باطنه والمقتصد من تساوى ظاهره وباطنه والسابق من باطه خير من ظاهره. وقيل الظالم هو الموحد بلسانه الذي تخالفه جوارحه، والمقتصد هو الموحِّد الذي يمنع جوراحه من المخالفة بالتكليف والسابق هو الموحد الذي ينسيه التوحيد غير التوحيد. وقيل : الظالم صاحب الكبيرة والمقتصد المتعلم والسابق العالم وقال جعفر الصادق : بدأ بالظالم إخباراً أنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه وأن الظالم لا يؤثر في الاصطفاء، ثم ثنى بالمُقْتَصدِ لأنه بين الخوف ولارجاء ثم ختم بالسابق لئلا يأمن أحد مكره وكلهم في الجنة. وقالأبو بكر الوراق : ربتهم على مقامات الناس لأن أحْوالَ العبدِ ثلاثةٌ معصيةٌ وغلفةٌ ثم توبةٌ ثم قرب فإذا عصى دخل في حَيِّز الظالمين وإذا تاب دخل في جملة المقتصدين فإذا صحت له التوبة وكثرت العبادة والمجاهدة دخل في عِدَاد السابقين.


الصفحة التالية
Icon